قانون المالية لسنة 2022…قائم على ارثذوكسية مالية

0
640
قانون المالية

يستند قانون المالية على منطق التوازن بين الموارد والنفقات. تتضمن موارد الميزانية الجباية التي تنقسم بدورها الى جباية عاديه (ضرائب مباشرة وغير مباشرة) وجبايه بترولية لان عوائد الصادرات بالعملة الصعبة يتم تحويلها الى دنانير على أساس أن الأولى تمثل قدره شرائية دوليه وبالتالي تشكل غطاء للإصدار النقدي بالعملة الوطنية.
أما النفقات فهي تشكل اساسا من نفقات التسيير والتجهيز والتحويلات الاجتماعية.

قانون المالية قائم على ارثوذكسية مالية مفادها أن النفقات العادية يجب ان تمول عن طريق الجباية العادية وهذا غير متحقق بالسنة للجزائر نظرا لضعف الديناميكية الاقتصادية (ضعف النشاط الانتخابي يؤدي الى ضعف الموارد الناتجة عن الجباية العادية)، وبالتالي يتم اللجوء للجباية البترولية لتمويل العجز وتكريس التوازن المالي الداخلي.
لذلك أي تراجع لأسعار البترول ينعكس سلبا على الميزانية، حيث سجل في السنوات الأخيرة عجزا كبيرا إلى درجة أن كل موارد الميزانية (الجباية العادية + الجباية البترولية) لا تغطي إلا نفقات التسيير.
يحدث هذا الانعدام في التوازنات الداخلية في ضرف صعب متمثل في اختلال التوازنات الخارجية (قيمة الواردات تفوق قيمة الصادرات) المؤدية حتما الى تآكل إحتياطات الصرف.
امّا هذا الوضع الاستثنائي الذي يذكرنا بأزمة، لجأت السلطات العمومية إلى أسلوب جديد في التعامل مع اختلالات الميزانية، ألا وهو معالجة الاسباب الهيكلية (الدائمة) للعجز في الميزانية الذي تجاوز النسب المتعارف عليها دوليا: القطاع العام الاقتصادي والدعم الشامل.

القطاع العام الإقتصادي:
يتشكل القطاع العام الإقتصادي من مجموع المؤسسات العمومية الإقتصادية التي تعاني في معظمها من عجز، سبب ضعف قدراتها التنافسية الذي مرده غياب الإستقلالية والتسيير الاداري البعيد على مقتضيات إدارة الاعمال. وهذه الظاهرة ليست وليدة الأمس، بل هي قديمة، تعود إلى اعتماد أسلوب التسيير الاشتراكي للمؤسسات الذي أثقل كاهل المؤسسات العمومية. وإذا أخذنا بعين الإعتبار شركة، فقد سجلت عجزا في1973أي سنتين بعد اعتماد هذا الأسلوب التسييري وأحتاج الأمر للجوء إلى موارد الخزينة العمومية. لقد تراكمت ديون القطاع العام الإقتصادي واستفاد خلال العقود الخمسة الماضية من تطهير مالي على حساب الخزينة في شكل مسح الديون تارة، أو تمويل الديون الفقيرة الأمد (قروض التسيير) إلى ديون متوسطة/طويلة الأمد تارة أخرى. في المحصلة شكلت ديون القطاع العام عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة، الشيء الذي دفع الوزير الحالي للقطاع الى التأكيد على ضرورة تحرير الخزينة العمومية من اعداء القطاع العام عن طريق الخصخصة (من المفروض أن تخص كذلك المؤسسات البنكية)، أو عن طريق اعتماد تلك المؤسسات على امكانياتها الذاتية. ويستخلص مما سبق فإن مؤسسات القطاع العام لا يمكنها الاعتماد على موارد الخزينة العمومية وهي المقاربة الأولى للمعالجة الدائمة للتوازنات الداخلية.

مراجعة سياسة الدعم:
إن سياسة الدعم الشامل الذي يستفيد منه الجميع مما غي ذلك السياح الجزائريين للبلاد، كان له مبرر سالفا في ظل السياسات الاشتراكية وعدم تحرير الأجور. اشتمل الدعم على المواد الغذائية الاساسية بالإضافة الى الوقود والكهرباء والماء.
إن إلغاء سياسة الدعم الشامل سوف يحرر الخزينة العمومية من جزء كبير من الاعباء المالية التي كانت تتحملها سابقا، لكن ثمنها الاجتماعي باهض جدا ولتنظيف الآثار الاجتماعية لسياسة إلغاء الدعم، يصب على الدولة إصلاح الواقع الاقتصادي من خلال تحريره من القيود البيروقراطية وتكريس الحريات الاقتصادية والرقي بالمعلومة الاقتصادية (احصائيات) من أجل التحديد الدقيق للفئات الإجتماعية المؤهلة للحصول على الدعم المالي المنصوص عليه في المادة 187من مشروع قانون مالية سنة 2022
على العموم وبالاستناد إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي، إن عملية رفع الدعم تكتنفها صعوبات عديدة منها مستوى معدل دخل الفرد الجزائري الذي يبقى ضعيف لحد ما، ما يجعل جزء كبير من المجتمع في حاجة للدعم.
وفي الخلاصة، يجب التنويه بأن الغاء الدعم الموجه المؤسسات الاقتصادية التابعة للقطاع العام وللفرد الجزائري من شأنه أن يصحح التوازنات الداخلية، وهو مقدمة وتمهيد لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي وبالتالي فتح ابواب الاسواق المالية الدولية امام الجزائر. فالمديونية الخارجية ليست ظاهرة سلبية إذا أحسن استغلالها في مشاريع تنموية.

بقلم الدكتور كمال موهوبي: استاذ محاضر بكلية الحقوق جامعة الجزائر 1

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا