عقوبة الإعدام بين دعاة الإلغاء والإبقاء

1
660
عقوبة الإعدام
عقوبة الإعدام

يقصد بعقوبة الإعدام إنهاء حياة المحكوم عليه بموجب حكم قضائي طبقا لنص قانوني، وتعتبر هذه العقوبة أكثر إثارة للجدل ، إذ يرى فريق من رجال القانون ضرورة إلغائها لتعارضها مع الغرض المتوخى من العقوبة الرامي إلى الإصلاح والتهذيب، في حين يرى فريق آخر ضرورة الإبقاء عليها كونها تحقق الردع العام الذي يحول دون ارتكاب الجريمة .
فضلا عن ضرورة مراعاة الموروث الحضاري ومرجعيات المجتمع عند سن القوانين وعليه سنتناول الموضوع حسب هذا التصنيف بين دعاة الإلغاء والمتمسكين بالإبقاء

أولا : دعاة إلغاء عقوبة الإعدام
تحت وطأة أفكار عدة لعل أبرزها فكرة أنسنة القانون العقابي،واحترام حقوق الإنسان، برز اتجاه عالمي تقوده مؤسسات حقوقية وقانونية يسعى إلى إلغاء أو تجميد عقوبة الإعدام ، وقد انخرطت بعض الدول في هذا المسعى وألغت العقوبة قانونا وعملا، واحتفظت دول أخرى بتطبيق هذه العقوبة وفي مقدمتها الصين، إيران، باكستان، السعودية، والولايات المتحدة .
وقد وجد هذا الاتجاه صدى لدى بعض الأوساط الحقوقية والسياسية الجزائرية وتبرر هذه الأوساط انخراطها في هذه المسعى بجملة من المبررات الواقعية والمراجع القانونية والحقوقية هي نفسها التي يتمسك بها الاتجاه العالمي.

1ـ المبررات الواقعية :
يرى الاتجاه المؤيد لإلغاء عقوبة الإعدام أن هذه العقوبة تعد انتهاكا للحق في الحياة، والحق في عدم التعرض لعقوبة قاسية لا إنسانية أو مهينة، وأن هذه العقوبة مرتبطة في معظمها بالجرائم السياسية.
وأن المحاكمات غير عادلة، وأن القاضي في العدالة الجزائرية غير مستقل وأن تنفيذ عقوبة الإعدام لا يترك مجالا لإصلاح الخطأ القضائي عند وقوعه.
ويرى دعاة إلغاء عقوبة الإعدام من التشريع الجزائري أن الهدف المتوخى منها وهو الردع العام غير مضمون النتائج، بل هناك من يجزم بعدم وجود أي دليل على ردعية هذه العقوبة، وفي النهاية وطالما أن القانون الجزائري وضعي وان أحكام الشريعة غير مطبقة في جميع الأحكام الجزائية والجنائية، وفي غيرها من القوانين فلماذا يتم التمسك بالقصاص.

2ـ المرجعيات القانونية والحقوقية : يؤسس دعاة إلغاء عقوبة الإعدام أو وقف تنفيذها على بعض النصوص القانونية الدولية لعل أهمها:
أـ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 :
الذي نص في المادة 3 على أن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه
ب ـ البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد لدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1989 :
والذي دعا إلى إلغاء عقوبة الإعدام من اجل المساهمة في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطور التدريجي لحقوق الإنسان
ج ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
والذي يفرض مجموعة واسعة من القيود يجب أخذها بعين الاعتبار في الدول التي لم تلغ عقوبة الإعدام

د ـ الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل:
والتي تمنع منعا باتا تطبيق عقوبة الإعدام على الأطفال
هـ ـ الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1982 و2002
وعملا بما سبق ذكره في المجال الدولي وتجسيدا لما جاء في نصوص المعاهدات المذكورة أعلاه
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية تحت رقم 149/62 بتاريخ 18/12/2007 تتضمن وقف استخدام عقوبة الإعدام
وقد صوت على هذه التوصية يومها 109 دولة وامتنع عن التصويت 29 دولة من بينها لبنان، المغرب، والإمارات العربية المتحدة
وصوت ضد التوصية 54 دولة من بينها جميع الدول العربية الباقية وتغيبت 05 دول من بينها تونس.
وتعتبر الجزائر وقتها البلد العربي الوحيد الذي صوت على هذه التوصية ولتفعيل هذه التوصية عقدت بالجزائر ندوة إقليمية في جانفي 2009 وصدر عن هذه الندوة جملة من التوصيات ألحت من خلالها على الدول العربية بما يلي :
– لغاء عقوبة الإعدام بعد وقف العمل بها ـ مناشدة نشطاء حقوق الإنسان بتوعية المجتمع بالتخلي عن ثقافة الثأر ونشر ثقافة حقوق الإنسان.
ـ ضرورة التقليص التدريجي للجرائم المعاقب عليها بالإعدام ـ مطالبة القضاة بالإلتزام بالمعايير الدولية لضمان محاكمة عادلة.

ثانيا : المتمسكون بالإبقاء على عقوبة الإعدام
انطلاقا من أن معيار تحديد العقوبة عند ارتكاب فعل مجرم تتحكم فيه ثلاث عوامل أساسية هي : خطورة الفعل، خطورة الفاعل، وجسامة الضرر
وتطبيقا لقاعدة شرعية وقانونية مفادها أن الجزاء يكون من جنس العمل
فإن التمسك بتطبيق عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم الخطيرة و عند مواجهة مجرمين محترفين لا أمل في إصلاحهم أو تقويمهم يعتبر أمرا ضروريا
يرى المتمسكون بالإبقاء على عقوبة الإعدام استنادا الى جملة من الأسس
أ ـ المرجعية القانونية :
إن التمسك الشعبي بضرورة الإبقاء على عقوبة الإعدام في القانون الجزائري لاسيما في جريمة القتل والاختطاف المقترن بالقتل والتنكيل يستند على قاعدة عامة مفادها أن النظام القانوني في المجتمع لابد أن يعكس القيم السائدة فيه وإلا ظل غريبا ، ولئن كانت الشريعة الإسلامية طوال قرون عديدة المصدر الرسمي الأول لمجموع القواعد التي تحكم نظام المجتمع، فتضبط سلوك الأفراد وعلاقاتهم فيه، فإنها لا تزال تحظى بمكانة متميزة في المنظومة القانونية
فالدستور الجزائري وهو القانون الأسمى في الدولة ينص في مادته الثانية على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة، وعقوبة الإعدام الصادرة من محاكمة عادلة تختلط لدى الكثير مع العقوبة التي شرعها الله تبارك وتعالى للحفاظ على الحياة وردع المجرمين بقوله الله تعالى “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ” البقرة الآية 179
ويؤمنون بأن الحكم بحد القتل قصاصا من القاتل هو عين العدل ونفي للجاهلية أما التعاطف مع الجاني على حساب الضحية فهو عين الهمجية، ويشرح العديد من الفقهاء بأن القصاص عبادة مثل الصيام والحج ولا يدخل في باب المعاملات
وفي هذا الصدد اعتبرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في بيان لها صدر في جانفي 2009 مسعى حذف الإعدام من القوانين محاولة للقفز على إرادة الشعب الجزائري المسلم وتجاوزا للدستور وتقليدا لجهات أجنبية وانسياقا وراء دعوات هيآت دولية أثبتت الأيام عجزها عن مجرد إدانة الجرائم البشعة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في غزة
وصرح رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الجزائري بان المجلس لا يطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في كل الظروف، خاصة في جرائم القتل التي يتوجب فيها القصاص في الشريعة الإسلامية، إذ يجب التمييز بين الحالات الخطيرة وغيرها من باب احترام الشريعة ومن باب مراعاة الواقع، وحفظ الدماء والأرواح وقد قبل ممثل الجزائر في الأمم المتحدة مبدئيا بهذا الرأي

ب ـ الضمانات التي وفرها المشرع:
1 ـ لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون
يجرم المشرع الجزائري و يعاقب بالإعدام بموجب قانون العقوبات على حوالي 15 جريمة نذكر منها : الخيانة ـ التجسس ـ الاعتداء على نظام الحكم ـ تكوين نظام مسلح ـ جرائم التقتيل والتخريب المخلة بأمن الدولة ـ الأفعال الإرهابية ـ استيراد وصنع المتفجرات في بعض الحالات ـ ـ القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ـ وتعذيب المخطوف والمحجوز تعسفا .. الخ
والمتمعن لهذه الجرائم يجد وأن البعض منها يمكن أن يتم تعديل عقوبتها، فتستبدل عقوبة الإعدام بعقوبة أخف كالسجن المؤبد أو السجن المؤقت دون مخالفة ما تمت الإشارة إليه.

2 ـ الضمانات الخاصة بالمحكوم عليهم بالإعدام
حدد المشرع الجزائري إجراءات تنفيذ حكم الإعدام كما يلي:
– لا تنفذ عقوبة الإعدام إلا بعد رفض رئيس الجمهورية طلب العفو ويقدم الطلب ولو لم يطلبه المحكوم عليه
ـ لا يبلغ المحكوم عليه بالإعدام برفض العفو عنه إلا عند تنفيذ العقوبة
ـ لاتنفذ عقوبة الإعدام على الحامل أو المرضعة لطفل دون 24 شهرا،و لا على المصاب بجنون أو بمرض خطير،و لا أيام الأعياد الوطنية و الدينية ولا يوم الجمعة أو خلال شهر رمضان
– ينقل المحكوم عليه بالإعدام إلى إحدى المؤسسات العقابية المحددة في القانون ويودع في جناح مدعم أمنيا و يخضع لنظام الحبس الانفرادي ليلا ونهارا.
– نفذ عقوبة الإعدام على المحكوم عليه رميا بالرصاص.
ويتم التنفيذ من غير حضور الجمهور ماعدا ـ رئيس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم ـ ممثل النيابة العامة التي طلبت الحكم بها ـ موظف عن وزارة الداخلية ـ محام المحكوم عليه ـ رئيس المؤسسة العقابية ــ أمين الضبط ـ رجل دين وطبيب
والملاحظ أن عقوبة الإعدام بالجزائر تم توقيفها منذ سنة 1993 بأمر من رئيس الدولة.
ج ـ ليس هناك إجماع دولي على وجوب إلغاء عقوبة الإعدام
يرى العديد من فقهاء القانون أن عقوبة الإعدام ليست قضية جنائية بقدر ما هي قضية قضاء جنائي، أي أن النقاش من الممكن أن ينصب حول تطبيقها وليس حول وجودها من عدمه ، وأن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لا سيما المادة 2 فقرة 7 تنص على أن الأمم المتحدة ليست مخولة بالتدخل في المسائل التي تخضع للولاية القضائية المحلية للدولة، وعقوبة الإعدام هي إحدى هذه القضايا ولا يحق لأي دولة عضو فرض وجهة نظرها على دولة أخرى.
كما نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على انه في الحالات القصوى يجوز إيقاع حكم الموت في الدول التي لم تلغ فيها عقوبة الإعدام بالنسبة لأكثر الجرائم خطورة فقط .
وقد اعترضت العديد من الدول رسميا على فرض وقف تنفيذ عقوبة الإعدام أو إلغاءها سنة 2008 في مذكرة وجهت للامين العام من بين هذه الدول جميع الدول العربية ما عدا تونس الجزائر المغرب فلسطين ولبنان.
ثالثا : الرأي عندنا
تسعى بعض الأوساط في الجزائر إلى تصوير ورسم صورة مشوهة للنقاش الدائر حول عقوبة الإعدام فيزعمون أن الاتجاه الرافض لإلغاء عقوبة الإعدام يتمركز في الأوساط الإسلامية أو المحافظة، والاتجاه المطالب بالإلغاء يتواجد في الأوساط الحقوقية والحداثية؛ وهذه مغالطة لأن عقوبة الإعدام في بعض الجرائم مسألة قانونية، وقضية قضاء جنائي
ومن الجدير بالذكر أن الجدل الدائر في الجزائر كان ولا يزال من أجل تنفيذ عقوبة الإعدام، وليس من أجل إلغائها أو الإبقاء عليها مثلما يروج البعض وتتناوله وسائل الإعلام عن سوء تقدير وخطأ في تكييف النقاش والجدل كما أسلفت.
فالمحاكم الجزائرية أصدرت ولا زالت تصدر أحكامها بالإعدام، لكن تنفيذ هذه العقوبة تم توقيفه بقرار غير منشور من رئيس الدولة منذ 1993.
وقد ازدادت المطالب الشعبية بتنفيذ العقوبة على وجه الخصوص في جرائم الاختطاف المقترن بالاغتصاب والقتل
والرأي الراجح في نظرنا بالنسبة لإلغاء العقوبة أو الإبقاء عليها هو التالي:
إذا كان المرجح أن إلغاء عقوبة الإعدام جملة وتفصيلا من قانون العقوبات الجزائري سيقابل بالرفض المطلق من قبل الشعب، فإن الممكن والمتاح هو الحد من النص على هذه العقوبة وجعلها مقتصرة على بعض الجرائم امتثالا للمعلوم من الدين بالضرورة وأحكام الشرع القطعية الثبوت والدلالة من جهة ومراعاة لخطورة بعض الجرائم
وفي مقدمتها جريمة القتل ــ الاختطاف المقترن بالاغتصاب والقتل .

الأستاذ عمار خبابة محام وباحث في القانون

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا