يفكك القيادي في جبهة المستقبل، فاتح بوطبيق، المشهد العام في الجزائر، بعد عودة الرئيس عبد المجيد تبون، إلى أرض الوطن بعد رحلته العلاجية، ويؤكد في هذا الحوار مع “أخبار الجزائر الجديدة”، إن العودة أرجعت الطمأنينة، وستعيد سلطان الدولة، ويتحدث بوطبيق، عن الاستحقاقات القادمة.
الرئيس تبون يعود من رحلته العلاجية، في اعتقادكم هل العودة أعادت السكينة، ونسفت مخططات البعض، قياسا بالتحذيرات التي أطلقها مسؤولون في فترة غياب الرئيس؟
عودة الرئيس من مشفاه ومباشرة مهامه السيادية، خاصة في هذه الظروف التي عاشتها البلاد، حيث حاولت بعض الجهات أو المواقع المعادية للجزائر بعث سمومها عن طريق مواقع داخل الوطن وخارجها وهذا خدمة لأجندات معادية خارجية، ومحاولة المساس بالموقف المشرف للجزائر فيما يتعلق بمناصرة القضايا العادلة وعلى رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراوية.
الاستقرار الذي عرفته الجزائر في السنوات الأخيرة، هذا الوضع أقلق بعض الأطراف وبعض الأبواق السياسية التي تود الاصطياد في المياه العكرة، وتريد إعادة المسار السياسي إلى المراحل الانتقالية.
نعم في فترة غياب الرئيس، حاولت هذه الأطراف الاستثمار فيه لبعث الريبة، والآن مع عودة الرئيس دون شك بعثت السكينة لدى الجزائريين، ولا سيما بعد الحراك المبارك وعودة الحديث عن المخارج الدستورية في حالة فراغ منصب رئيس الجمهورية، خاصة وأن الشعب أراد أن يتمسك بجزائر جديدة تختلف فيها عن الممارسات السابقة، فمرض الرئيس كان عائقا الذي استجد على الساحة السياسية.
والآن بوجود الرئيس ومتابعته بصفة مباشرة، سيبعث سلطان دولة القانون في مرافقها على المستوى المركزي والمحلي.
بعودة الرئيس من الضروري المضي نحو تشكيل جبهة وطنية قوية، لا تعني قمع الرأي، ولكن أن ينصب النقاش والفكر على خدمة الصالح العام وتشييد الجزائر الجديدة، مهما يكن الموقع الذي يتواجد فيه الجزائري، فالوطن يجب أن يسعى الجميع لزرع خطاب الأمل والثقة والمصداقية، بكل الإمكانيات الموجودة في بلادنا يمكن لنا بناء الجزائر الجديدة.
ما هي الأولويات التي تأملون في مباشرتها من الرئيس؟
رئيس الجمهورية غداة عودته وبعدما استفتي الشعب في تعديل الدستور، الذي حمل الكثير من التعديلات وله الكثير من المخرجات، أعتقد أن أول تحدي للرئيس التوقيع على قانون المالية، وسلطة الإصدار بالنسبة للدستور والمرتبطة كذلك بمعالجة القوانين الأساسية وعلى رأسها القوانين العضوية، ومن أهمها القوانين العضوية المتعلقة بالانتخابات والأحزاب والإعلام.
هذه القوانين وإن كانت متعلقة بالحريات العامة وتنظيم الحياة السياسية فإنها تبعث بلا شك الثقة والارتياح، وسد الفراغات والإبهام الذي عبر عنها البعض حول وثيقة الدستور، ومن خلال الحوار بين الشركاء والفاعلين ستعطي الفرصة للجزائريين للتغيير.
فإذا تحدثنا عن أزمة سياسية فهي متعلقة بمجالس إنتخابية مطعون فيها سواء أكانت محلية أو وطنية، وبالتالي للمضي نحو انتخابات معبرة، نختار فيها الكفاءات القادرة على مواجهة التحديات وقادرين على تحمل المسؤولية وتنمية ربوع الوطن، خاصة في مناطق الظل، على هذا الأساس يجب المضي نحو للقوانين الأساسية ولكن بالتروي والحكمة والبصيرة.
وهذا الأمر مرتبط كذلك بانتخاب برلمان قوي، قادر على المتابعة، والتقييم، والمرحلة الثالثة تكون في الجهاز التنفيذي الذي يجب أن يكون قوة تمثيل وطني، هذا الجهاز سواء في الحكومة أو على المستوى المحلي الذي يجب أن يكون قادرا على مواجهة عبئ التنمية ويقتحم معركة الوعي والبناء ويدفع بالجزائر الجديدة قولا لا فعلا.
ماذا عن التعديل الحكومي، المتابع لاحظ ركودا كبيرا، وعودا لم تتجسد من طرف وزراء بعد سنة من تعيينهم، وزراء أطلقوا تصريحات أقل ما يقال عنها إنها مستفزة؟
إذا تحدثنا عن المرحلة الإصلاحية التي يقودها الرئيس عبد المجيد تبون المنتخب عقب أزمة سياسية، وفي ظل ظروف مميزة تعرفها الجزائر داخليا وخارجيا، تبقى الأداة الأساسية للإصلاح في الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هي الجهاز التنفيذي، وهذه أول حكومة لرئيس منتخب كان يٌفترض أن تكون حكومة لتعبئة عامة، وحكومة تضع مخطط استعجالي، وقبل ذلك أن تكون معبرة وممثلة لطموحات الشعب.
وجب التنبيه لحقيقة الوضع العام التي تعرفه الجزائر جراء تداعيات جائحة كورونا، التي حالت دون تحقيق بعض المتطلبات، نتيجة لانخراط الحكومة في مواجهة هذه الظرف الخاص، جائحة كورونا سلاح ذو حدين، حيث هنالك تراكمات إجتماعية تمس المواطن والتوازنات المالية، ولكن في جهة أخرى العودة والاعتماد على الإنتاج المحلي والصناعة الوطنية.
خلال الفترة السابقة شاهدنا تفاعل الجهاز الحكومي مع مسألة تعديل الدستور، الجهاز التنفيذي لم يكن في المستوى، وبعد سنة الحكومة لم نرى لها أثرا كبيرا خاصة في حكومة إصلاحية يجب أن يكون لها تحرك أقوى، نعم الكفاءة لا تكفي لوحدها إذا لم تستند إلى الدعم ببعد سياسي واجتماعي.
حان الوقت لتكون لنا حكومة سياسية قوية تعكس طموحات الشعب، من خلال معاجلة القضايا دون طابوهات، وبناء اقتصاد الجزائر الجديدة يحتاج إلى جرعة أمل وأن يكون لنا بنك معلومات حقيقي، وجلسات استماع حقيقية، مع الشركاء الاجتماعيين والمختصين وليس حديث بلاطوهات، يجب الاعتماد كذلك على الكفاءات الوطنية، أما الإبقاء على ممارسات سابقة أو الاستمرار في سياسة الترميم فهذا النهج لن يوصلنا إلى ما نصبو إليه.
هل من الضروري المضي نحو انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة؟
المسألة ليست متعلقة بالوقت ولكن بالمردود، تحدثنا آنفا عن القوانين المتعلقة بالحياة السياسية، وعليه وجب تحضير الرأي العام، لأن التحدي الأساسي هو الإرادة الشعبية، إذا ضمنا الاستمرارية للإرادة الشعبية في الحياة السياسية بالمشاركة والنضال الحزبي، ونجعل الجزائري يؤمن بالعملية الانتخابية كأساس للتغيير، التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها.
يجب أن نتحدث عن الأغلبية، لا يمكن لمليون أو مليون ونصف مليون صوت، أن تعوض 24 مليون، هذا خلل، لقد شاهدنا هذا في انتخابات سابقة، أصوات قليلة تسيطر وتكون لها صلاحية التشريع، مقابل غالبية صامتة، هنالك خلل، كذلك هنالك عزوف انتخابي أرَق الطبقة السياسية وجعل المجالس ضعيفة ومترهلة لا تستطيع مواجهة التحديات، ما جعلها سهلة أمام الوصاية وسهلة كذلك أمام النزوات الخاصة من بعض المنتخبين خاصة في المجالس المحلية، حيث تجد بعض المنتخبين يتسببون في انسداد المجلس البلدية، هذه العراقيل تحتاج إلى إصلاحات جريئة.
في منظرونا أن الانتخابات المحلية أولى من الانتخابات التشريعية، كون المحلية هي المحدد الحقيقي الذي تحتك فيه الإرادة الشعبية مع الإرادة السياسية الوطنية.
الذهاب نحو انتخابات وطنية قبل الانتخابات المحلية سيبقي الخلل موجودا ويبقي التشكيك، وفق منظرونا الانتخابات المحلية أسبق، وبعدها تأتي انتخابات التجديد النصفي في مجلس الأمة وهذه فرصة حتى نقوي هذه الغرفة التشريعية بكفاءات قادرة على صناعة الفرق وإحداث التغيير، وبعدها الانتخابات التشريعية.
إذن فالمسألة ليست إجراء انتخابات وفقط، بل هل هذه الانتخابات بإمكانها معالجة وترميم المشهد السياسي وقادرة على بعث جزائر جديدة قولا وعملا وأخلاقا وقوة، وهل الانتخابات المحلية والتشريعية قادرة على إحداث إقلاع حقيقي، وتعالج كل المشاكل التي تركتها منظومة التسيير السابقة.
الأمر مرتبط بتعديل قانون الانتخابات، ماهي مقترحاتكم؟
إذا تحدثنا على هذا القانون هنالك إنتخابات محلية وأخرى تشريعية ورئاسية، وهنالك الهيئات المشرفة أو المديرة للعملية الانتخابية، ظلت الطبقة السياسية تناضل من أجل هيئة مستقلة منتخبة تشرف وتنظم وتعلن نتائج الانتخابات، وهذا نتاج الآثار التي خلفتها الانتخابات السابقة، فتسيير العملية الانتخابية أثر على بريقها وحدثت عمليات تزوير، وكان لها تأثير سلبي على الرأي العام.
وبعد تعديل الدستور، لابد أن نراجع النظام الانتخابي بعمق خاصة في هل الإبقاء على القائمة المفتوحة أو القائمة النسبية، في إعتقادي القائمة النسبية كانت سبيلا للمال الفاسد وترتيب القوائم، الأمر الذي أحدث فساد ماليا وأخلاقيا، من الضروري أن يكون القانون الجديد سبيلا للقضاء على الفساد والذي ترك الإرادة الوطنية مطعون فيها، حان الوقت لتجريم المال الفاسد، والإساءة للانتخابات التي يقوم بها بعض أعوان الإدارة، وتجريم المواطن الذي يعمد إلى تعطيل العملية الانتخابية، مناعة البلد مرتبطة بمناعة الانتخابات ومناعة الانتخابات مرتبطة بمناعة الوعي.
هنالك قضية المعيار الانتخابي والذي حال دون التعبير عن الصوت الانتخابي، إذا تحدثنا على نسبة 5 بالمئة أحيانا كانت معيار إقصائي، أحيانا 1.2 مليون صوت يكون له أغلبية و6 ملايين ليس لها دور، من غير المعقول أنه اعتمادا على المعيار الانتخابي تصبح الأقلية تتحكم في الأغلبية.
على الصعيد الإقليمي، عمل عسكري مغربي ضد مدنيين صحراويين، تطبيع مع الصهاينة، صفقة فرنسية مع إرهابيين في مالي، هل الجزائر في مواجهة مخطط صهيو فرنسي مغربي لاستهدافنا؟
تشهد الجزائر في الفترة الأخيرة تكالب لبعض الأطراف التي توصف بالصديقة والشقيقة، كما شهدنا محاولة خبيثة من البرلمان الأوروبي الذي راح يزعم وجود انتهاك لحقوق الإنسان في البلاد، دون شك هذه الأشياء أقلقت الجزائريين، كونهم يرفضون أي شيء يأتي من الخارج، نحن أسياد في أنفسنا، وهذه المبادئ ورثناها من ثورتنا المجيدة .
هنالك أجندات أجنبية هدفها السيطرة على خيرات ومقدرتا الشعوب ومواقف الدول، موقنا الرسمي في الجزائر المبني على مبادئ ثورة أول نوفمبر، النابعة من الشعور الإنساني والعربي والإسلامي والأخلاقي، الذي يجعلنا نناصر الشعوب المضطهدة والمحتلة، كما هو الحال مع القضية الصحراوية وهي ليست قضية الجزائر فقط بل قضية أممية تنال دعم وتأييد المجتمع الدولي، وهو الحال مع القضية الفلسطينية التي لن نحيد أبدا عن دعمها ونصرتها إلى حين تأسيس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
حاوره: وليد رابحي