ملامح برامج المنظمات غير الحكومية في مجال التمويل الأصغر في التجربة المصرية

0
450
الدولار
الدولار

استكمالا لما أشرنا إليه ضمن موضوع سابق بعنوان” نحو منظمات غير حكومية وجمعيات فاعلة في مجال صناعة التمويل الأصغر”، سنحاول في هذه المرة التطرق إلى بعض الملامح الأساسية للتجارب التطبيقية للمنظمات غير الحكومية في مجال صناعة التمويل الأصغر، وبالخصوص في ذلك التجارب التطبيقية للمنظمات غير الحكومية في مصر.

وعلى ضوء التطورات الهامة التي عرفتها التجربة المصرية بشكل عام في مجال التمويل الأصغر، فقد أصبحت مصر تمثل إحدى الدول البارزة في هذا المجال على مستوى المنطقة العربية، لا سيما من حيث تطور عدد المستفيدين من خدمات التمويل الأصغر عبر العديد من المؤسسات والمنظمات المتخصصة بأكثر من 3.5 مليون زبون، وكذا من حيث تطور حجم محفظة القروض القائمة التي تفوق 30 مليار جنيه مصري، أو من حيث مستويات الانتشار عبر أغلب المدن والقرى، وغيرها من المؤشرات المرتبطة بصناعة التمويل الأصغر. وما قد يعكس الأهمية التطبيقية للتجربة المصرية في مجال التمويل الأصغر هو أن قطاع التمويل الأصغر في مصر يمكن اعتباره قطاع مــــــالي مهيكل بعد صدر القانون رقم 141 لسنة 2014 المتعلق بتنظيم نشاط التمويل الأصغر بتاريخ 13 نوفمبر 2014، والذي يتولى الإشراف عليه الاتحاد المصري للتمويل الأصغر، وبمراقبة من وحدة الرقابة على نشاط تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر للجمعيات والمؤسسات الأهلية التابعة للهيئة العامة للرقابة المالية، ونشير إلى أن هذا القطاع المالي يضم حــــــاليا 964 منظمة غير حكومية و11 شركة مساهمة مرخص لها بمزاولة النشاط من طرف الهيئة العامة للرقابة المالية، وذلك بالإضافة إلى بنوك خاضعة لرقابة البنك المركزي.

ويلاحظ في هذا الإطار، ذلك التحول المؤسسي في التجربة المصرية، والذي أصبحت فيه المنظمات غير الحكومية تعد من أهم المؤسسات العاملة في مجال التمويل الأصغر، وتمارس نشاطاتها في مجال التمويل الأصغر تحت إشراف جهات رسمية، وذلك بعد أن كانت تعمل قبل سنة 2014 ضمن بيئة تفتقر للتنظيم التشريعي والقانوني.

ووفقا للأرقام الأخيرة للتجربة التطبيقية للمنظمات غير الحكومية في مصر خلال الربع الثالث 2020، فقد استفاد من خدماتها أكثر من 1,9 مليون مستفيد، وبأكثر من 8 مليار جنيه مصري، وتتنوع الأنشطة الممولة من طرف تلك المنظمات، وهي تختلف من حيث الأهمية النسبية من نشاط إلى آخر وتتباين فيما بينها من حيث حجم التمويل، وبحسب حجم تلك المنظمات غير الحكومية، ولكن عموما تتنوع الأنشطة الممولة بشكل عام ضمن المجالات التجارية والزراعية، وكذا الأنشطة الخدمية والحرفية الإنتاجية. وأما من حيث نوع المستفيد، فإن أكثر من 65% من المستفيدين هن من فئة النساء، وهذا يعد من ملامح صناعة التمويل الأصغر على المستوى العالمي، وأما من حيث نوع التمويل ومنهجيته، فإن أكثر من 70% من أرصدة التمويل قد تمت حسب منهج التمويل الفردي لأكثر من 900 ألف مستفيد.

ومن ناحية الحيوية والاستدامة المالية، فقد تتعدد المؤشرات المستخدمة في مجال صناعة التمويل الأصغر لتحليل وتقييم مستويات الكفاءة التحصيلية على مستوى المؤسسات الناشطة في هذا المجال، فمنها المؤشرات المرتبطة بالمحفظة المعرضة للخطر، ومعدل السداد، وكذا المعدل السنوي لخسائر القروض، وغيرها من المؤشرات ذات الصلة الأخرى، وفي غياب مؤشرات في هذا المجال، فمن الهام جدا الإشارة إلى بعض المنظمات غير الحكومية المصرية التي حققت نسب سداد عالية جدا تقارب 100% خلال بعض السنوات، وهي تجربة جمعية تنمية المجتمع للمشروعات الصغيرة والحرفية بسوهاج، وقد تم وصفها ضمن أحد أعداد مجلة التمويل والتنمية الصادرة عن الاتحاد المصري للتمويل المتناهي الصغر بأنها من الجمعيات التي بدأت تطرق باب التميز في مجال صناعة التمويل الأصغر.

وعلى ضوء ما سبق، تتبين إلى حد ما أهمية الدور الذي قد تعلبه المنظمات غير الحكومية في مجال صناعة التمويل الأصغر، وخصوصا ما تقوم به فيما يتعلق بتمويل منظومة المشروعات المصغرة والعائلية، لتصبح تلك المنظمات بمثابة منافس للشركات والبنوك المهتمة بصناعة التمويل الأصغر.

وأخيرا، يمكن اعتبار التجارب التطبيقية للمنظمات غير الحكومية في مصر ضمن اهتمامها بمجالات التمويل الأصغر من التجارب الهامة في المنطقة العربية، وهي بذلك تشكل منطلقا للبحث والتقييم من طرف كل الفاعلين في المجال الجمعوي في الجزائر للاستفادة من تلك التجارب وتطويعها وتطبيقها وتطويرها على مستوى الاقتصاد الجزائري.
الدكتور:  عبد الحكيم عمران/  كلية العلوم الإقتصادية جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا