مستقبل الوظائف ووظائف الغد: الفرص والتحديات

0
346

حظى موضوع تطوير الاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة باهتمام كبير من طرف الحكومات وصانعي القرار في كل الدول، وقد تجسد ذلك الاهتمام ميدانيا عبر تبني العديد من الاستراتيجيات الوطنية للتحول الرقمي التي تستهدف مواكبة التطورات العالمية في المجال التقني وتعظيم الفوائد التنموية المستدامة والشاملة للجميع، لاسيما منها ما يتعلق بالعمل على تطویر الأنشطة الاقتصادیة من خلال زیادة كفاءة إنتاج السلع وإنجاز الخدمات، وكذا توفیر فرص عمل جديدة عبر خلق نشاطات جدیدة تتوافق مع مقتضيات العصر الرقمي بكل أبعاده ومجالاته المتنوعة والمتكاملة.

ونظرا لحجم الفرص والمزايا التي يتيحها هذا الاقتصاد الرقمي المتضمن تغيرات جذرية وتحولات متسارعة في مجال استخدام التقنيات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، وكذا المعدات والموارد المرتبطة بتلك التقنيات ضمن ما أصطلح عليه بالثورة الصناعية الرابعة، فقد أصبحت التقنيات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات وتقنيات الاتصال المرتبطة بها تشكل بالنسبة للشركات عاملا هاما من عوامل الإنتاج الحديثة، وعلى ضوء ذلك قامت العديد من الشركات بضخ المزيد من الأموال في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال بما يسمح بالتنفيذ الآلي للكثير من الأنشطة والعمليات دون أي تدخل من البشر.

وعلى ضوء تلك التطورات المتسارعة لحجم الاقتصاد الرقمي، فهناك تحديات وتأثيرات كبيرة وهامة سترتب عن تلك التطورات على مستوى الأفراد والوظائف، وهو تحدي يستدعي المزيد من الجهود والاستراتيجيات غير التقليدية من طرف كل الفاعلين على مستوى الحكومات للتكيف مع التغيرات الهيكلية والوظيفية المتوقعة على مجالات التشغيل بشكل عام في إطار الاقتصاد الرقمي، وبالأخص في ذلك ما يرتبط بتراجع الطلب على العمالة غير الماهرة، وكذا المهن ذات المهارات المتوسطة، وذلك بالمقارنة مع المهن ذات المهارات العالية.

وفي هذا السياق، يأتي تقرير مستقبل الوظائف 2020 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ليحاول أن يعطي صورة توضيحية لطبيعة الوظائف والمهارات المطلوبة في المستقبل ضمن السياق الأوسع للاتجاهات التي سيشملها مجال الاقتصاد الرقمي على المدى الطويل، ومن أهم النقاط التي أشار إليها هذا التقرير في مجال الوظائف والمهارات المطلوبة في المستقبل، فإنه يمكن ذكر ما يلي:

– تزايد غير متوقع نحو المزيد من الأتمتة في الخمس سنوات القادمة: ويأتي ذلك من خلال أن اعتماد التكنولوجيا من جانب الشركات سيؤدي إلى إحداث تحول في المهام والوظائف والمهارات مع حلول سنة 2025، ويـتأكد ذلك من خلال نتائج الدراسات في هذا المجال، التي تشير إلى أن حوالي 43 % من الشركات التي غطتها المسوح تتجه لتخفيض قوتها العاملة بسبب دمج التكنولوجيا، بينما يخطط 41 % منها للتوسع في استخدام متعاقدين للقيام بالأعمال القائمة على مهام متخصصة، وينوي 34 % منها زيادة القوة العاملة نتيجة لدمج التكنولوجيا، ويتوقع في إطار ذلك، وفي حدود خمس سنوات من الآن، أن الشركات ستقسم العمل لديها ما بين العمالة البشرية والآلات بنسب متساوية تقريبا.

– تزايد معدلات تدمير الوظائف التقليدية عن معدلات خلق وظائف المستقبل: وعلى الرغم من تباين تلك المعدلات، إلا أنه يتوقع في السنوات القادمة أن يتم التخلي عن 85 مليون وظيفة بسبب التحول في سياسات تقسيم العمل بين الآلة والإنسان، ومن أهم تلك الوظائف التي يتوقع أن ينخفض عليها الطلب في السنوات القادمة نجد منها: وظائف إدخال البيانات، السكرتارية الإدارية والتنفيذية، المحاسبة وتدقيق الحسابات، خطوط التجميع والمصانع، الميكانيك وإصلاح الآلات، وظائف خدمات البريد، وظائف البنوك والعمليات ذات الصلة،….الخ، ومن جانب آخر، فإنه يتوقع في مقابل ما سبق ذكره، خلق حوالي 97 مليون وظيفة جديدة ضمن مهن ومهارات المستقبل، لاسيما تلك الوظائف ذات الصلة بالمجالات التالية: محللو البيانات، مهارات الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، التسويق الرقمي، الاستراتيجيات الرقمية، أتمتة العمليات، التحول الرقمي، أمن المعلومات، تطوير البرامج والتطبيقات، التكنولوجيات المالية، قواعد البيانات والشبكات، الروبوتات،…الخ.

– تزايد التوجه نحو منهج العمل عن بعد: فمن المرجح على ضوء تقرير مستقبل الوظائف 2020 أن يتجه نحو 84 % من أصحاب الشركات نحو اعتماد إجراءات العمل الرقمي، بما في ذلك التوسع الكبير نحو إجراءات العمل عن بعد، على أمل الوصول إلى أن يكون حوالي 44% من العمل حسب منهج العمل عن بعد.

وفي الأخير، وعلى ضوء تلك التوقعات الهامة في المرحلة القادمة، فإن الأمر يتطلب من كل الأفراد بذل المزيد من الجهود ضمن أنظمة التدريب والتعليم استعدادا للوظائف والمهارات المطلوبة في المستقبل، أما بالنسبة للعاملين على مستوى الشركات فإن الشركات مدعوة أكثر من ذي قبل على تحديث مهارات العاملين لديها خلال السنوات القادمة من خلال برامج للتدريب المستمر ضمن رؤية البحث عن ضمان القدرة على تحقيق التنافسية، أما بالنسبة للحكومات فهي مطالبة بدعم القدرات البشرية بشكل عام في إطار الاقتصاد الرقمي عبر الاستثمار أكثر في عمليات تحسين وتطوير جوانب التعليم الأساسي والجامعي، وكذا برامج التدريب الفني والمهني ليواكب المتطلبات الضرورية لمهن المستقبل.

الدكتور: عبد الحكيم عمران/ كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا