فوريس بوليسي رداً على تقرير ماكرون:

فرنسا خسرت حربها الدموية في الجزائر وترفض الاعتذار أو دفع التعويضات

0
624

على الرغم من اقتراب الذكرى الستين لهزيمة فرنسا الساحقة في الجزائر عام 1962، إلا أن البلد المسؤول عن واحدة من أكثر الحلقات إثارة للاشمئزاز في التاريخ الاستعماري لا يزال يسعى إلى إملاء التاريخ والسيطرة على سرد الرواية.

هذا ما استنتجته الكاتبة نبيلة الرمضاني في مقال نشره موقع “فورين بوليسي”، التي أشارت في البداية إلى أن إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أصدرت تقريراً جديداً عن ذكرى الاستعمار والحرب الجزائرية، ولكنه ظهر كوثيقة أحادية الجانب إلى حد يرثى له، وقالت إن التقرير حاول وصف كيف ولماذا لا تزال العلاقة مضطربة بين الجزائر وفرنسا في أسلوب قريب من سرد المعلومات العامة واقتراحات لتعزيز العلاقات الدبلوماسية.

ولاحظت الرمضاني، وهي صحافية فرنسية من أصول جزائرية متخصصة في القضايا الأنجلو- فرنسية، أن التقرير المثير للجدل فشل في التوصية في أهم شيء في القضية، أي الاعتذار، وقالت إن الفرنسيين على ما يبدو، وعلى الرغم من فقدان الجوهرة في امبراطوريتهم بعد أكثر من قرن من القهر المميت والجرائم ضد الإنسانية، إلا أنهم لا يعتقدون أنهم كانوا من الهمجية بما يكفي لإظهار أي ندم.

وأضافت ” لننسى استخدام النابالم والغاز للقضاء على المدنيين بذبح المتظاهرين الجزائريين في البلدات والمدن، بما فيها باريس، أو الاستخدام المنهجي للتعذيب أو الإرهاب، الذي تقوم به المنظمات الفرنسية القومية المسلحة، لنلاحظ أن المتحدث باسم ماكرون قد قال في مقدمة التقرير بإنه لن تكون هناك توبة ولا اعتذارات.

وتناول مقال “فورين بوليسي” سيرة كاتب التقرير الفرنسي، ليذكرنا مرة ثانية بأن بنجامان ستورا هو أكاديمي مقيم في باريس، وليس في الجزائر العاصمة، وشككت الكاتبة في قدرته على تنفيذ مهمته الأصلية في المساعدة في تحقيق “المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري”، وقالت إنه بدلاً من الاعتذار، فإن الأمر الذي وجه عمل ستورا كان التقليل من شأن الجرائم التي لا توصف، والكثير من التلاعب.
ولاحظت الرمضاني أن ستورا لم يركز في مقدمته للتقرير على الحقبة الاستعمارية الوحشية، بل على الهجمات التي شنها “الإسلاميون” في فرنسا، كما أشار على وجه التحديد إلى الجرائم التي لا علاقة لها على الإطلاق بالجزائر، بما في ذلك قطع رأس معلمة روسية في إحدى ضواحي باريس.

وكتب ستورا في تقريره المضلل أن هناك علاقة بين هذه الأحداث والجزائر الحديثة، وزعم أن تثقيف الشباب المسلمين حول “الاستعمار وحرب الجزائر” هو “ضمانة ضرورية” ضد انتشار ما وصفه بالإرهاب الإسلامي.
وأشارت الكاتبة إلى أن هناك قيمة في تدريس الحقائق عن الإمبراطورية الفرنسية، كما أن الحكم الفرنسي على جزء كبير من أوروبا في عهد نابليون بونابرت في بداية القرن التاسع عشر، هو أمر حاسم لفهم فرنسا الحديثة، كما هو الحال للاضطهاد الاستعماري، غير أن التشويه لا يغتفر، وقالت إن ما فعله ستورا هو صدى لخطاب ماكرون حول ما يسميه بـ الانفصالية الإسلامية في أكتوبر الماضي، والذي تحدث عن صدمات “الماضي الاستعماري” لفرنسا، وخاصة الحرب الجزائرية، وأن “الاستياء غير المعلن” قد أسفر عن تشدّد الشباب، وبالتالي القيام بهجمات إرهابية. وقالت إن هذا اللب الشعبوي، الذي يظهر عادة في نظريات المؤامرة اليمينية الغربية، هو أن الإرهاب ” الإسلامي” مرتبط مباشرة بالجزائريين الغاضبين، كما كانوا عند مقاومة الحكم الفرنسي، وأوضحت أن هذا التفسير الكرتوني يعود إلى الأيام الأولى للاستعمار، عندما نظر الغرب المسيحي إلى المسلمين وكأنهم أدنى أخلاقيا.

وتحدثت الكاتبة عن الكثير من الأدلة التاريخية، التي كان يمكن أن يتحقق فيها ستورا، ولكنه لم يفعل، مثل مقتل 45 ألف جزائري في مدن سطيف وقالمة وخراطة وحملة الإبادة الجماعية ضد المقاومة، والمارشال توماس روبير بوغو، الحاكم العام للجزائر في أربعينات القرن التاسع عشر، والذي سعى إلى إخضاع الجزائريين وقتلهم.

وأشارت الكاتبة إلى تاريخ فرنسا في الجزائر الملطخ بقنابل النابالم والإعدامات ، كما أشارت إلى استخدام الصحراء كساحة للتجارب النووية، وقالت إنه تم استيراد أساليب القمع الوحشية من الجزائر إلى فرنسا، عندما تم إطلاق النار على ما يصل إلى 300 جزائري يشاركون في مسيرة سلمية مؤيدة للاستقلال، وضربهم وتعذيبهم حتى الموت وإغراقهم في السين على مرأى من الناس.

وقد وصف المؤرخون هذه المذبحة بأنها أكثر أعمال قمع الدولة دموية في أوروبا الغربية في التاريخ الحديث، ولكن لن تجر أي محاكمة.

ومضت الكاتبة إلى القول إن أهم توصيات التقرير، إذا تجاوزنا عدم وجود اعتذار، هي إنشاء “لجنة الذاكرة والحقيقة”، ولكنها أشارت إلا أنه لا يوجد أي شيء جديد في عمل هذه اللجان، وقد استشهد ستورا نفسه ببعض الحالات كنماذج للجان ولكنها في الواقع لن تحقق العدالة للضحايا وأسرهم.

ولاحظت الكاتبة أن المشكلة لا تكمن في العثور على أدلة حول ما حدث من جرائم في الجزائر على يد الفرنسيين، بل الاعتراف بهذه الأدلة، في حين لا تزال فرنسا تطلق على المجازر الدموية في الجزائر اسم “الأحداث و”عمليات حفظ النظام”.
وليد رابحي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا