خلّفت حادثة اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجرائم فرنسا في رواندا، ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي من وجوه وطنية معروفة أكاديميا وسياسيا، حاولت تقديم تفسيراتها لازدواجية السلوك الفرنسي.
ورأت رموز النخبة الوطنية، بحسب ما نقلت “الجزيرة نت”، في موقف ماكرون، تجاه رواندا، تنازلا من باريس عن الهمجية الاستعمارية التي طالما واجهت بها بلدان القارة بشأن تسوية الذاكرة المجروحة لأجل استعادة مصالحها الضائعة، وإلا كيف يمكن تفسير التعاطي المزدوج لفرنسا مع كيغالي والجزائر، مع أنه لا مجال للمقارنة بين تورطها المحدود مع الأولى ومسؤوليتها الكاملة في الثانية، يتساءل هؤلاء.
وقال المؤرخ جمال زواري على صفحته بموقع فيسبوك “الرضوخ والاعتراف الرسمي الفرنسي جاء بعد سنوات من تجاوز رواندا محنتها وتحولها الجذري من بلد أشباح تنتشر فيه رائحة الجثث المرمية في كل مكان، إلى أسرع البلدان الإفريقية، بل في العالم، في معدلات التنمية”.
وغرّد عبد القادر سماري الوزير السابق للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، قائلا “علينا أن نتابع جيدا ما يحدث في رواندا ونأخذ منه درسا.. لقد بدأت عملية الاستقلال الحقيقي عن القوى الغربية عموما وفرنسا على الخصوص، وقررت إنشاء مؤسسات ديمقراطية وتنمية شاملة، مما جعل ماكرون يعترف ويفتح الأرشيف الخاص بحرب الإبادة”.
وبدوره، علّق الناشط سيف الإسلام بن عطية بأن “رواندا قطعت حبال الود مع باريس وتحولت للتدريس باللغة الإنجليزية، وتعيش اليوم أزهى أيامها بنمو اقتصادي هو الأسرع أفريقيا”.
وحول موانع خطوة فرنسية قوية تجاه الجزائر، مقارنة بموقفها مع كيغالي، والذي بلغ حد طلب الصفح والغفران، أكد المؤرخ محمد الصالح بوقشور أن مسألة الجزائر، بخلاف رواندا، تبقى في غاية الحساسية لأن الجروح غائرة وتمتد لأجيال ولا تزال حية في الذاكرة الجماعية (الجزائرية).
وأوضح عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حسيبة بن بوعلي أن عدة أطراف في فرنسا تعارض مثل هذا المسعى، مشيرا -في تصريح للجزيرة نت- إلى وجود تيار فرنسي عنصري قوي ومعادٍ للجزائر، تمتد جذوره الأيديولوجية إلى الفكر الاستعماري، يمتلك اليوم وعاء انتخابيا مؤثرا، وبإمكانه إفشال أي سياسي يريد السير في اتجاه الاعتذار.
لذلك يستبعد بوقشور -في الظرف الحالي- أن يجرؤ أي فرنسي يطمح في رئاسة الجمهورية على الإقدام نحو مسعى الاعتذار للجزائر، لأنه يقترن بإرجاع الحقوق.
وشدد على أن فرنسا الرسمية حاولت -من خلال التقرير الأخير للمؤرخ بنجامين ستورا- إقحام الجزائريين الذين شاركوا إلى جانبها بالثورة التحريرية “الحركى” وكذلك “الأقدام السوداء” بصفتهم ضحايا، ولكن الطرف الجزائري يرفض وضع الجلاد والضحية في صف واحد، ويريد اعتذارا خالصا عن الإبادة والجرائم المتعددة منذ عام 1830 إلى 1962.
أما بشأن القرائن المادية والقانونية لآثار فرنسا، والتي تدفع باريس للتحفظ بشأن تاريخها الاستعماري خشية الملاحقة القضائية في المحاكم الدولية بأثر رجعي، أكد المؤرخ والقانوني عامر رخيلة أن طبيعة جرائمها في الجزائر وإلغاء وجودها ككيان من الخارطة الدولية، وعمليات الإبادة الجماعية من قوات نظامية بحق الجزائريين تجعلها جرائم دولة.
وعليه فلن تعترف فرنسا بماضيها الوحشي في الجزائر، لاسيما وأنها تنظر لمطالبها بصفته تربّصا بها، للانتقال من تجريم الاستعمار إلى تحريك دعاوى وتقديم عرائض لمنظمات حقوق الإنسان والقضاء الجنائي الدولي، خاصة أن تلك المجازر جرت في ظل سيادة تشريعات دولية وأوروبية وحتى فرنسية تجرّم الأفعال المرتكبة ضد المدنيين على أساس عرقي أو عقائدي، على حد تعبيره.
وأضاف أن باريس مدركة للمتغيرات السريعة في الساحة الجزائرية، والتي تؤكد نزوعها لفك الارتباط بطرح مبدأ الندية في العلاقات الثنائية، وهو ما أربك الدوائر الفرنسية، وأدركت أن فقدانها للأفضلية والأولوية قد بدأ يتجسد فعليا، على حد قوله.