اتضح بما لا يدع أي مجال للشك أن نوعية العامل البشري هي العامل الحاسم في التنمية كمسار عام، أي التنمية الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، التكنولوجية الخ….
ساد الاعتقاد لدى المسؤولين السياسيين في الجزائر ما بعد الاستقلال أن التنمية هي عبارة عن مسار تقني محض:
يكفي إقامة قاعدة صناعية (الصناعات المصنعة) وفي مرحلة لاحقة هياكل قاعدية ميزة فترة الرئيس بوتفليقة لتطوير البلاد وتكريس التنمية بجميع أبعادها.
إن مثل هذا الاعتقاد إما أن يكون ناتج عن سوء نية وهذا أمر مستبعد إلى حد ما أو ناتج عن عدم الاطلاع على التجارب الدولية في مجال البناء التنموي.
إن نظرة المسؤول الجزائري عبر مختلف مراحل ما بعد الاستقلال إلى التنمية هي نظرة تقنية محضة ثبت بالدليل فشلها في حين أن التجارب الناجحة ركزت على العامل البشري فاستثمرت في الرأس مال البشري هذا دأب كوريا الجنوبية و سنغافورة والهند بداية من ثمانينات القرن الماضي بعد أن تخلت هذه الأخيرة عن النموذج الجزائري الصناعات المصنعة وليس في المبالغة إذا أكدنا على إجماع المختصين بما فيه المختصون في القانون الاقتصادي على أن النماذج التنموية التي قامت على الرقي بالمستوى الثقافي والعلمي لأفراد المجتمع هي وحدها الناجحة.
وللتدليل على ذلك يجب ملاحظة الفوارق التنموية بين الجزائر والبلدان سالفة الذكر التي استطاعت ايجابيا الاندماج في التقسيم الدولي للعمل وأصبحت تستحوذ على جزء معتبر من الحصة السوقية على المستوى العالمي.
إضافة للفوارق يجب عدم التغاضي عن الآثار الجانبية للفشل التنموي النموذج الجزائري للتنمية كان قائما منذ نهاية سنوات الستين من القرن الماضي على الاستهلاك الأوسع لعنصر، وبما أن الادخار الداخلي لم يكن كافيا فكان لازما Modèle capitalistique الرأس مال.
على الدولة اللجوء إلى الأسواق المالية الدولية التي كانت تقرض الجزائر بأسعار فائدة فعلية سلبية (سعر الفائدة الاسمي أدنى من مستوى التفخيم الدولي) وهو ما يفسر خضوع الجزائر في فخ المديونية الخارجية التي عانت منه طوال فتره سنوات 80 و 90 من القرن الماضي.
السؤال الذي يفرض نفسه هل استخلصت الجزائر الدروس من تجربتها الخاصة والتجارب الدولية في مجال التنمية اعتمادا على كون التجارب الذاتية هي تجربه كل الإنسانية انطلاقا من الأصل الإنساني المشترك.
الجواب هو أن البرنامج الاقتصادي للحكومة الحالية (برنامج 2020_2024) لم يعكس الانعطاف المطلوب نحو التغيير الجذري لنموذج التنمية فلازالت حصة قطاع التربية من الناتج الداخلي لا يتجاوز6% عن حصة قطاع التكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي وهي القطاعات التي يجب أن تحظى بالأولوية إذا أرادت الجزائر الاعتماد فعلا على الاستثمار في الرأس مال البشري.
بقلم الدكتور كمال موهوبي