الحقوقي عمار حمديني لـ "نيوز الجزائر":

الأمن والاستقرار أساس التنمية والأمن الغذائي من أهم أركان السيادة الوطنية

0
851
عمار حمديني

الجزائر الجديدة بكل مكوناتها الأساسية التي وردت في برنامج رئيس الجمهورية مشروع مستقبلي جاد يحتاج إلى مشاركة واعية من كل الطاقات الوطنية بمختلف مستوياتها وتخصصاتها وفق استراتيجية واضحة المعالم يتم فيها ترتيب الأولويات ووضع جدول زمني لتنفيذ البرامج المندمجة والمتفاعلة مع بعضها البعض.
وفي إطار هذه الرؤية تحدث المحامي والناشط الحقوقي الأستاذ عمار حمديني، لـ نيوز الجزائر”، عن بعض معالم الجزائر الجديدة.

• في رأيكم ما هي الأسس التي تضمن بناء الجزائر الجديدة؟
الأمن والاستقرار هما الأساس الذي تبنى عليه كل أشكال التنمية والتطوير على مختلف المستويات، وقد بيّن لنا التاريخ أن الدول التي تنعم بهما استطاعت أن تدخل المستقبل بكل ثقة واقتدار وهما عنصران متوفران في الجزائر والحمد لله، يأتي بعدهما بُعد الديمقراطية الذي نسير اليوم لاستكمال صرحه من خلال انتخابات تشريعية وفق أسس جديدة يستطيع فيها الجزائريون أن يختاروا من يمثلهم في البرلمان بكل حرية وشفافية ضمن قانون الانتخابات الجديد.

 

• تعرف دول العالم حركية قوية لتعزيز أركان سيادتها فما هي الأوليات التي ترونها في أعلى سلّم الأولويات؟

لا أحبذ فكرة الترتيب القيمي هذه لأن كل أركان السيادة لها نفس الأولوية والأهمية ولكنني سأشير إلى ما يؤمّن للجزائريين وجودهم من عناصر الحياة الأساسية.

• ماذا تقصد؟
أقصد الأمن الغذائي

• حدثنا عن تصورك لهذا الملفات باختصار

كل الدراسات والبحوث المناخية المنجزة تؤكد الارتفاع المتواصل لدرجاتالحرارة على كوكبنا مما يعني قلة سقوط الأمطار خاصة على النطاقات الجافة وشبه الجافة الواقعة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية التي ننتمي إليها جغرافيا، وهذه الظاهرة يمكن التأكد من آثارها من خلال موجات الجفاف الحادة التي عرفتها الجزائر في العشريتين الأخيرتين، وهو الأمر الذي سيؤدي مع الزمن إلى الانجراف الجيني عبر الزوال التدريجي للغطاء النباتي خاصة في المناطق السهبية مما يفتح الطريق أمام تفاقم ظاهرة التصحر في هذه الطبقة البيومناخية وتقلص المساحات الزراعية في مناطق أخرى تزامنا مع ازدياد الطلب على الغذاء نتيجة لارتفاع عدد السكان. ومنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي بدأت دول جنوب أوروبا تحضّر نفسها للتأقلم ظاهرة الجفاف عبر العمل على تحسين نباتاتها لتصبح قادرة على مقاومة الجفاف وجلب بذور من دول الجنوب تحمل هذه الصفة في جيناتها.
ولمجابهة التحديات الغذائية المستقبلية والحد من آثارها فإن الجزائر الجديدة مؤهلة عبر برنامج السيد رئيس الجمهورية لتعزيز أمنها الغذائي وضمان أسباب البقاء للأجيال القادمة، وضمن هذا الطرح نقترح جملة من الآليات التي تساهم في وضع استراتيجية وطنية تبقي مصير الجزائريين بأيديهم.
1- تؤكد اتفاقية التنوع البيولوجي التي انبثقت عن قمة الأرض في ريو دي جانيرو 1992 وكل الاتفاقيات التي تلتها وصولا إلى بروتوكول ناغويا باليابان على حق كل دولة في حماية مواردها البيولوجية، وقد سارت كل دول العالم على هذا النهج ووضعت التشريعات القانونية لذلك وهذا بعد إحصاء مواردها ووضع بطاقة هوية جينية لكل صنف حتى تتمكن من حمايتها وفق القوانين الدولية السارية في هذا المجال، وقانون الموارد البيولوجية الجزائري 2014 الذي أعدته وزارة البيئة لا يستجيب تماما لما تفرضه الأهمية الحيوية للموضوع لذا نقترح إعادة النظر فيه بمشاركة وزارة الفلاحة وخبراء التنوع البيولوجي ورجال القانون وفتح نقاش موسع حول الموضوع يسمح بوضع استراتيجية وطنية تؤمّن المستقبل الغذائي والدوائي للجزائريين على المدى المتوسط والبعيد وتعزز ركنا أساسيا من أركان السيادة الوطنية.
2- السعي إلى استرجاع نسخ من الموارد الجينية الجزائرية الموجودة في بنوك الجينات والمؤسسات البحثية عبر العديد من دول العالم ومنها على سبيل المثال أصناف القمح ذي النوعية الرفيعة المقاومة للجفاف وللأمراض وأصناف النخيل ذات الجودة العالية التي تم نقلها إلى الولايات المتحدة أو أصناف الأعلاف المتميزة الموجودة في البنوك الأسترالية والفرنسية والإيطالية وغيرها. مع العلم أن جزءا كبيرا من هذه الأصناف قد انقرضت في الجزائر. فالنباتات المقاومة للجفاف وللأمراض ولملوحة التربة سلاح غذائي استراتيجييسمح لنا بتوسيع المساحة الزراعية في النطاقات الجغرافية الجافة والصحراوية والاستعداد لآثار التغيرات المناخية في العقود القادمة.
3- إنشاء المجلس الوطني للموارد الجينية ويكون تابعا لرئاسة الجمهورية يضم ممثلين عن القطاعات الوزارية المعنية (الفلاحة والصحة والبيئة والدفاع) إضافة إلى الخبراء ورجال القانون والفلاحين وممثلي المجتمع المدني.
4- رغم الجهود التي بذلتها وزارة الفلاحة والتنمية الريفية لإنشاء بنك للنباتات الزراعية إلا أن المشروع بقي مجرد حلم، ونظرا للأهمية الاستراتيجية البالغة الدقة لبنوك الجينات فإننا نقترح إنشاء 3 أنواع من بنوك الجينات:
أ‌- بنك مخصص للنباتات الزراعية والغابية
ب‌- بنك مخصص للنباتات الطبية والعطرية والصناعية.
ت‌- بنك مخصص للنباتات ذات الأهمية البيئية وللنباتات التي لم نصل إلى معرفة طبيعة أهميتها.
إن بنوك الجينات ستكون عنوانا للسادة وقادرة على حماية المستقبل الغذائي والدوائي للجزائريين وعلى خلق الثروة محليا وجلب العملة الصعبة بأرقام لا يعرفها إلا الخبراء في هذا المجال، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تكون إلا تحت وصاية رئاسة الجمهورية.

• ما هي القطاعات التي عليها اتخاذ القرار فيما يخص الموارد الجينية؟ الوزارات أم مراكز البحث؟

أكرر أن الموارد الجينية مكوّن أساسي من مكونات السيادة الوطنية لذا من الضروري كما أسلفت إنشاء مجلس وطني للموارد الجينية يكون تابعا لرئاسة الجمهورية ولجنة الخبراء في هذا المجلس هي التي تضع السياسات العامة وتحدد سلّم الأولويات وعلى مراكز البحث والهيئات المكلفة بالتنمية أن تعمل على تجسيد رؤية المجلس الذي يتابع أعمالها وفق جدول زمني محدد كما هو معمول به في أغلب دول العالم.

هل تملك الجزائر القدرات العلمية والتقنية التي تؤهلها لتجسيد ما ذكرت؟
أقول وبكل ثقة أن الجزائر قادرة على رفع التحدي من خلال علمائها وباحثيها الذي لا يقلّون أهمية عن نظرائهم في بقية دول العالم، وأثبتوا هذه قدراتهم عبر أبحاثهم المنجزة في الجامعات ومراكز البحث الوطنية والتي تم نشرها في كبريات المجلات العلمية العالمية المتخصصة، والوكالة الوطنية لتنمية البحث العلمي قد بذلت جهودا كبيرة لإحصاء البحوث والمقاربات المنهجية في هذا المجال، كما أن الكفاءات العلمية الخبيرة في وضع الاستراتيجيات والتشريعات القانونية الدولية متوفرة في الجزائر على غرار الخبيرة الدولية يونسي أمينة والدكتور ساحلي والدكتور توفيق مدني وغيرهم.

• هل هناك أرضية وطنية يمكن الانطلاق منها للحد من آثار الجفاف؟

إن المخطط الوطني لتهيئة الإقليم قد وضع استراتيجية وطنية بالغة الأهمية في هذا المجال محددا المحاور الكبرى التي ترتكز عليها التنمية المستدامة التي تسعى إلى تلبية الاحتياجات الحالية للجزائريين مع ضمان مستقبل الأجيال القادمة، ورؤيته تستشرف المتغيرات المستقبلية بروح علمية وعملية واعدة، كما أن القانون الجديد لإعادة تفعيل برنامج السد الأخضر سيسمح بوقف الانجراف والتصحر ويخلق بيئة رطبة تسمح بسقوط الأمطار في هذه المناطق، ونتمنى أن يتم تنويع أصناف الأشجار المزروعة والتركيز على إنشاء مستثمرات للشباب تشمل أشجار الزيتون والفستق الحلبي وهو ما يضمن الحماية الأكيدة لأشجار السد الأخضر ويسمح بامتصاص البطالة وخلق الثروة وتنويع اقتصاديات المناطق الجافة.

• كلمة أخيرة

أولا لا أدّعي أني متخصص في هذا المجال الذي له أهله ولكن اهتمامي بالأمن الغذائي جعلني أتقرب من أهل الاختصاص وأملي أن تقوم الجهات المعنية المذكورة آنفا بفتح ورشات متخصصة في مجال الموارد الجينية قبل نهاية السنة تحضرها كل الكفاءات الوطنية ذات الصلة.
شكرا لجريدة نيوز الجزائر التي أتاحت لي هذه الفرصة لأقول إن الجزائر الجديدة قد بدأت تتبلور في أرض الواقع وأن الإرادة السياسية الجادة قد بدأت في تجسيد أحلاموتطلعات الشعب الجزائري في الأمن والاستقرار والرفاهية.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا