أبواق تجار الفوضى

0
341
بما يمكن تفسير حملة التشويه التي تم اطلاقها حتى قبل أن يلقي الدكتور محمد مزيان، وزير الاتصال، الكلمة الختامية لسلسلة اللقاءات الجهوية حول وضع الصحافة الوطنية وآفاقها؟
فبالرغم من أن الوزير أقدم على منح منصة، غير مسبوقة منذ أكثر من عقدين من الزمن، لمحترفي الإعلام والاتصال، تسمح لهم بإجراء تقييم حقيقي لحالة الإعلام الجزائري في ضوء متطلبات حروب الجيل الخامس، الا ان ذلك لم يشفع له لدى أبواق تجار الفوضى الذين يتسترون وراء ادعاءات حرية التعبير.
وبغض النظر عن بعض الأصوات “المعارضة” و المعروفة بمرارتها بسبب لفظها من طرف هذه المهنة القاسية، فضلاً عن بعض الأقلام التي دأبت على التشكيك، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، في كل ما يمت بصلة الى الجهود المبذولة للارتقاء بقطاع الاتصال الى الى أحسن، فهناك أصوات قليلة تعمد على خلق جو من الصخب على اليوتيوب، ظنا منها أنها ستجعل بذلك من صوتها مسموعًا.
انضمت هذه الأصوات، الصادرة من موقع اليوتيوب والمبثوثة من فرنسا، إلى حملة إعلامية عنيفة ومعادية للجزائر بشكل علني، يغذيها تيار سياسي مغالي و مشكل من أولئك الذين يشعرون بالحنين إلى الزمن الذي كانت فيه الجزائر “مقاطعة فرنسية”.
“في الصحافة، الرجل الصادق هو من يتقاضى أجرًا مقابل رأيه؛ أما الكاذب فهو من يتقاضى أجرًا مقابل رأي لا يملكه”. هذه الكلمات التي قالها الأخوين “إدموند وجول دي غونكور”، المعروفان بولعيهما بالأدب والصحافة، لها صدى خاص اليوم. وللأسف، لقد تم تشويه جائزتهما القيمة مؤخرًا، اذ تم حشرها في السياسة من خلال هجوم غير مسبوق عبر الاصدارات الأدبية ضد كل ما يمثل الجزائر، والذي تم التخطيط له بمكر في فرنسا، لصنع كاتب من العدم بإسدائه هذه الجائزة المرموقة.
تنطبق هذه الكلمات تمامًا على هذا “الرباعي” مما يسمى بالمؤثرين على موقع يوتيوب، المقيمين في فرنسا. فهذا “الرباعي” يجتهد في نفث سمومه لضرب كل ما يمثله بلدهم. و يوجد ضمنهم ذلك الذي يعتبر نفسه محترفًا الى حد اسداء الدروس في المهنية لغره، إذ تجده في فيديوهاته دائم الاستدلال بمفهوم لا يعي فحواه: الا وهو الموضوعية. ومن المعروف أن هذا “اليوتيوبر” أنه يدافع عن رأي ليس برأيه، بل تمليه عليه مصالح أجنبية، وخاصة “المخزن”، الذي يمول إقامته الطويلة في العاصمة الفرنسية. وقد تميز هذا المتعاون السابق مع قناة ” i24″ الإخبارية الإسرائيلية مؤخراً بدفاعه المستميت عن نشاطات “الماك” في فرنسا، حيث عمل كمدافع عن التوجهات الهدامة لهذه المنظمة الإرهابية.
إننا بحق أمام “خندريش” العصر الحديث، وهو من حركى النقيب “بول ليجي”، الذي استعمله لتفكيك الشبكات الفدائية لجبهة التحرير بالجزائر العاصمة. فقد أطلق خطابا عدائيا، مزج فيه بين القذف و السب، وجهه ضد الجامعي والدبلوماسي ووزير الاتصال، الدكتور محمد مزيان. وكانت له سقطة لغوية ومعرفية تدل على مستواه المتدني، الذي يحتاج الى ترميم ورسكلة. فهو لا يدرك أن “الترجمة الرقمية “ليست موثوقة دائمًا. فقد أخلط بين مصطلح “الواقع” و”الحدث” (Réalité et évènement )فيما اعتبره انتقادا لخطاب الوزير في اللقاء الجهوي الرابع والأخير لمهنيي الإعلام والاتصال بالجزائر العاصمة. واعتمد السيد الوزير في خطابه على عبارة معروفة على نطاق واسع، ألا وهي: “المعلومة مقدسة والتعليق حر”. و فضل استعمال مقولة بالعربية يرددها كثيرا أصحاب المهنة: “الواقعة المقدسة والرأي حر”. وفي خضم تسرعه النابع عن غروره المهني، أبان عن ضحالة مستواه، وبذلك كشف للعامة عن و عن خوائه الفكري.
إن التاريخ لا يرحم. فالفضاء الرقمي الذي يستغله للتقيؤ على بني جلدته، لا زال يحتفظ بتسجيلات صوتية، تفضح تعامله مع رجل أعمال فاسد مسجون حاليا. كما لا زال يحتفظ بمشاركته النشطة على قناة “الأمل” في الترويج لفكرة العهدة الرئاسية الخامسة لمرشح طريح الفراش، كان يصارع الموت.
و بقدرة الفضاء الرقمي الذي لا يستند الى مرجعيات معروفة في ميدان الصحافة، أصبح هذا الشخص محاضرا في الأخلاق المهنيه. فهذا الذي يدعي أنه مدافع عن حرية التعبير، والذي يقدم نفسه كمختص في الصحافة الاستقصائية، من غرفة نومه في باريس، يتصرف كـ”شخص لا يميز بين الألوان السياسية باستثناء اللونين الأسود و الأبيض”. بالنسبة له، كل ما تم إنجازه وكل ما يتم إنجازه في الجزائر لا يستحق الاهتمام به. وفي تحقيقاته الزائفة، يجتهد في البحث عن العيوب حيث لا توجذ، متجاهلا عملية تقييم قطاع الصحافة التي بادر الى تنظيمها السيد وزير الاتصال وتوصيات المهنيين لمعالجة نقائص والنهوض به من خلال الاجتماعات الجهوية الأربعة.
وبالرغم من أن “أفضل علاج للإهانات هو احتقارها”، كما قال الكاتب الإسباني “ماتيو أليمان”، المعاصر للروائي “سرفانتس”، مؤسس الرواية الحديثة، فإنه من الضروري أن ننير القراء بشأن أهداف هؤلاء الذين امتهنوا السب، القذف والتجريح على شبكة الأنترنيت. فلد أقدموا، حتى قبل نشر توصيات اللقاءات الجهوية لمهنيي قطاع الاتصال، على شن هجومً جماعيً على السيد الوزير، مما يفضح امتعاض آمريهم و أسيادهم من المشروع .
ومن الواضح أن هؤلاء الذين يمارسون “البهرجة السياسية” على اليوتيوب و الذين لا يتورعون عن المزايدة على المفاهيم النبيلة للمهنة، قد أزعجتهم مبادرة “جبهة إعلامية موحدة” لمواجهة الحرب الإعلامية المفروضة على الجزائر، من قبل نفس الوكالات التي يخدمونها والتي أصبحت اليوم معروفة لدى القاصي والداني. إن هذه الحملة الشعواء تجد تفسيرا في حالة الهلع التي أصابت أولئك الذين يسعون لضرب الرغبة التي أبدتها السلطات العمومية في وضع استراتيجية اتصالية قادرة على إعادة وسائل الإعلام الوطنية على المسار الصحيح، الذي يكفل لها بمواجهة التدفق السريع والرهيب للمعلومات الخبيثة والأخبار الكاذبة والشائعات، التي تهدف لخلق الشك والبلة لدى القراء. وكمثال عن هذه المساعي، نسرد تلك التصريحات الكاذبة والمنسوبة للسيد الوزير، والتي لم يدلي بها قط، حيث زعمت احدى الصفحات على الفايسبوك و المعروفة بنشرها لمضامين مغلوطة، أن الوزير يكون قد صرح أنه أرسل أبناءه إلى فرنسا للدراسة وتعليمهم كيفية محاربة هذا البلد “باستعمال العلم والتكنولوجيا”.
وبالنظر الى سرعة انتشار هذا الخبر الكاذب، فواضح أنه يدخل ضمن مخطط يسعى لضرب مصداقية وزير الاتصال ونجاعة ما أقدم عليه باشراك مهنيي قطاع الاتصال من دون اقصاء. فبالرغم من النفي القاطع والرسمي من قبل صحيفة “الحياة”، المتهمة زورا بكونها مصدر هذا الخبر، فإن هذه المعلومات الكاذبة لا تزال تغذي النقاشات على بعض صفحات التواصل الاجتماعي، المعروفة بنشرها للافتراءات والاشاعات والأخبار الكاذبة ، عوض أن تسعى الى ترسيخ الحقيقة.
وقد جاء نشط آخر على يوتيوب، أو يسمى هكذا، معروف يبيله المرضي إلى الصراخ لفرض آرائه و استمالة الحشود بخرجاته البهلوانية، لينظم الى هذه الهجمة الاعلامية عبر شبكات الاتصال الاجتماعية. فهو لا يتوان عن الخلط بين التفاهة والشجاعة في خطاباته المسعورة والتي، يبذو، أنه أطلقها بأمر من صديقه الذي عمل في القطاع لفترة قبل أن يتم فصله. فقام بالتفوه بكلمات جارحة في حق السيد الوزير وسخر من أسلوبه في الكلام. ف”وطني” المناسبات هذا، والذي يجعل من الوطنية ظاهرة صوتية، والمعروف عنه تسرعه وتفانيه في الدفاع عن رأي من يدفع له أكثر، دفع بغطرسته إلى حد عدم احترام الآخرين، لأنه أصبح و منذ فترة طويلة غريباً عن المهنة وعن أخلاقياتها.
وللبرهنة على امتلاكه لمهارات العرض الخطابي على اليوتيوب، يقوم هذا المهرج على شبكة الإنترنت بتحويل ظهوره في الفضاء الأزرق إلى مشاهد غريبة، طالقا العنان لخطاباته اللاذعة حيث تحل الإهانات والإساءة والتشهير محل أي تحليل منطقي، وحيث لا يتورع من استعمال كلمات خادشه للحياء العام.
ومن خلال إثارة الشكوك حول جدوى اللقاءات الجهوية التي بادر بها السيد وزير الاتصال، فإن هذه الحملة التشويه هذه والطريقة التي اطلقت بها، تؤكد بشكل صارخ صحة هذا المشروع، الذي شدد من خلاله المهنيين على ضرورة إنشاء هيئات تنظيمية للصحافة المكتوبة والإلكترونية والسمعية والبصرية، فضلاً عن الإسراع في تنصيب أعضاء مجلس أخلاقيات المهنة، لتمكين النظراء من إعادة تنظيم هذا القطاع.
لا يبدو أن هناك من بمقدوره وضع حد لهذا الهيجان على الإنترنت، والذي يهدف الى خلق حالة من الفوضى، من خلال نشر الأخبار الكاذبة والشائعات والدعاية. فالمثل يقول “الم تستحي فأفعل ما شئت”. وعليه، فان مشروع انشاء جبهة إعلامية وطنية موحدة يجد اهميته من ضرورة مواجهة مروجين التضليل الاعلامي و ممتهني نشر الخراب والفوضى.
بلهواري بوزيان
أكاديمي، متخصص في الاتصال المؤسساتي.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا