النيجر …معركة فرنسا الأخيرة!

0
644

شكّل الانقلاب العسكري في النيجر “صدمة” لكل المتابعين للشأن الإفريقي ولمنطقة الساحل الإفريقي بالخصوص، على الرغم من حالة عدم الرضى التي كانت تطبع الداخل النيجري، على حكم الرئيس المعزول محمد بوعزوم بخلفية إثنية مرتبطة بأصوله العربية، التي تشكّل 01% فقط من تعداد السكان البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة، في أحد أغنى بلدان الكرة الأرضية بالمعادن وأفقرها اقتصاديّا.

لا أحد توقّع ما حدث في هذا التوقيت الحسّاس، الذي يطبع المنطقة الملتهبة من القرن الإفريقي المأزوم بنار الاقتتال في الصومال والحرب الأهلية المستعرة في السودان والإنقسام الداخلي في ليبيا، إلى السواحل الغربية الإفريقية حيث ترتع عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية.

لا يمكن الجزم إطلاقا بالجهة أو القوّة التي يستند عليها المجلس العسكري في النيجر برأسه قائدِ الحرس الجمهوري الجنرال عبد الرحمن تيشاني، فالرجل “الغامض” خاض خلال الأسابيع التي سبقت الإنقلاب، معركة “تكسير عظام” مع الرئيس المعزول بوعزوم، هذا الأخير الذي حاول عزله فوجد نفسه خارج الحكم!

خيّم تدخّلُ مجموعة فاغنر الذراعُ العسكري “الناعم” لروسيا في دول إفريقية عدة، ومساهمتها في ترجيح كفّة الجيل العسكري الجديد المناهض لفرنسا، على المشهد في النيجر، بل أنّ كثيرين توقّعوا أن تكون “يد روسيا” حاضرة في التغيير المفاجئ الحكم.

غير أنّ المعطيات المتوفّرة لا تؤكّد هذا الاحتمال، بسبب غياب تواجدٍ مباشر للمجموعة الروسية على الأرض في النيجر، كما أن تصريحات غربيّة ذهبت إلى هذا النحو، كان آخرها تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض الأمريكي التي نفت رصد أي تورط لروسيا أو فاغنر في الإنقلاب.

رغم حديث متابعين أن ما جرى هو عملية فرنسية استباقية، إلّا أنّ المعطيات الحالية، تزيد من صعوبة الجزم والتكهّن ب”اليد” التي امتدّت إلى النيجر حصنُ فرنسا الأخير في منطقة الساحل الإفريقي.

ففرنسا التي خرجت “مدحورة” من الجارة مالي عام 2022 بعد انقلاب قادة ثكنة “كاتي” بقيادة الكولونيل هاشمي غويتا، جمعت “شتات” عسكرها من مالي واتّجهت بهم رأسا الى الجارة الشرقية النيجر، حيث قواعدها العسكرية الأربع، ومناجم اليورانيوم التي تسيّرها عبر شركتها “أريفا”.

شكّل وعيد فرنسا بإمهالها المجلسَ العسكري 3 أيام لإعادة النظام الدستوري منعرجا في طبيعة الأزمة، وهو ما يوحي أن ما يجري في النيجر سيكون أخطر الإنقلابات العسكرية الأخيرة التي تشهدها القارة السمراء بسبب تشابك الأحداث وتأثير مجرياتها على الأمن القومي لفرنسا!

في حدث نادر الحدوث، التأم مجلس الدفاع الأعلى في فرنسا لمناقشة التطورات في النّيجر، وكرّر خطاب المطالبة بإعادة الحكم للرئيس المعزول محمد بوعزوم، لكنّ اللافت هو إمهال قادة المجلس العسكري ثلاثة أيّام وإلّا؟

وإلّا ماذا ؟ هل ستتدخل فرنسا عسكريا لتحرير “حليفها” المعزول؟

سؤال مفتوحةّ إجاباته على كل الاحتمالات، خاصّة مع حديث المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا التي تُوصف ب”ذراع باريس” في إفريقيا، عن الشروع في عملية “الإحماء” للتدخّل العسكري في النيجر.

ما يطرح هذا الاحتمال هو ما تواتر من أنباء عن نقل الجيش الفرنسي لقوة عسكرية خاصة الى العاصمة نيامي بعد ساعات من إغلاق المجال الجوّي للبلاد، بعد ذلك، خرج الناطق باسم المجلس العسكري وأكّد الخبر، وحذّر فرنسا من تكرار خرق الحظر الجوّي المفروض بعد الانقلاب.

الناطق باسم المجلس العسكري في النيجر استبق قمة مجموعة غرب إفريقيا بتوجيه تحذير شديد اللهجة من مغبّة التدخل العسكري، وقال إن كامل القوات المسلحة ستقاتل إلى الرمق الأخير.

تبرز أهمية النيجر لفرنسا في كونه خزّانها الذي تتموّن به من الطاقة الكهربائية عبر مفاعلاتها النووية التي تتغذّى على أكثر من 30% من اليورانيوم القادم من مناجمها مقابل عوائد قليلة جدّا، كما بات النيجر آخر معاقل القوات الفرنسية في دول الساحل الإفريقي، حيث يتآكل نفوذها أمام تصاعد المدّ المناهض لها و”استثمار قوى” ولوبيّات أخرى في ذلك.

قد تنحو الأوضاع في النيجر إلى تسويات غير معلنة، غير أنّ هذا البلد الإفريقي يشكًل قضيّة حياة أو موت بالنسبة للمستَعمِرة السابقة فرنسا، ذلك أنّها حصنُها الأخير الذي دُكّ أمام أعينها، في غمرة زيارة رئيسها إلى كاليدونيا الجديدة حيث نُفِيَ آلاف الجزائريين قبل عقود هناك.

عبد الله عبد الجبار

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا