ليس للصحراويين ما يخسرونه

0
300

تتجه الأنظار حالياً إلى منطقة الكركارات الواقعة في أقصى جنوب الصحراء الغربية على الحدود مع موريتانيا. وعادت المنطقة إلى الواجهة بعد إقدام مدنيين صحراويين على إغلاق الثغرة التي كان المغرب قد فتحها ذات ليلة قبل حوالي عقدين من الزمن في غفلة من الجميع لتسويق بضائعه إلى دول جنوب القارة الإفريقية. وبعد التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب، في 6 سبتمبر 1991، لم يتضمن الاتفاق فتح المغرب لتلك الثعرة في الأرض الصحراوية، بل على العكس، نصت بنود الاتفاق العسكري رقم 1 على أنه يُمنع أي تواجد للجيش المغربي في منطقة تمتد إلى 30 كلم غرب الجدار. وبموجب ذات الاتفاق، يُحظر أيضاً نقل أو تحريك القوات والعتاد العسكري، باستثناء حالات نادرة مذكورة في الاتفاق. ويمنع كذلك على الطرفين الاقتراب أو إطلاق النار أو حتى دخول المنطقة المحظورة الممتدة لمسافة 5 كلم غرب وشرق الجدار. وبناءً على ما سبق، يتضح بما لا يدع مجالاً للشك، أن المغرب قد خرق الاتفاق مراراً وتكراراً، ولكن جبهة البوليساريو أوضحت أنها لن تتساهل مع أي خرق جديد، وأن أي تقدم ولو بمتر واحد لدخول مسافة 5 كلم سيكون بمثابة إعلان الحرب، وهو ما قد يحدث في أية لحظة هذه الأيام، لا سيما بعد حشد البوليساريو لجيشها وتحضيرها عسكرياً وحتى البدء في رسم السيناريوهات والخطط العسكرية لحرب قد تكون وشيكة إذا ما قرر المغرب خرق الاتفاقية من جديد ودخول المنطقة المحظورة أو اعتدى على المدنيين الصحراويين الذين يغلقون ثغرة الكركارات منذ حوالي 20 يوماً. فكيف ستكون الحرب المقبلة؟تعود آخر مواجهة عسكرية بين الجيش الصحراوي والمغرب إلى سنة 1991، ومنذ ذلك التاريخ، تغيرت الكثير من المفاهيم والتكتيكات لخوض الحروب، لكن الطرفان أبقيا على قواتهما طيلة الثلاثين سنة الماضية على أهبة الاستعداد لما قد يطرأ في أية لحظة. وقد لا تكون ساحات الحرب الجديد هي ذاتها التي كانت قبل ثلاثة عقود، إذ تعوّل البوليساريو اليوم على ثلاثة محاور إستراتيجية لخوض المواجهة الجديدة المرتقبة.ولعل أول العوامل التي قد تكون حاسمة في المواجهة الجديدة هو وجود قاعدة شعبية كبيرة جداً مؤيدة لجبهة البوليساريو في جميع المناطق الصحراوية، وإن كانت تفتقر إلى التنظيم الهيكلي على شكل خلايا نائمة جاهزة لخوض الحرب بداخل المناطق المحتلة، إلّا أنها أظهرت جهوزية كبيرة وقدرتها لتكون عنصراً حاسماً في المعركة المقبلة، وخير دليل هو سيطرة الصحراويين بشكل كامل على كامل العاصمة العيون بعد تفكيك مخيم أكديم إيزيك يوم 8 نوفمبر 2010، ورفعهم الأعلام الصحراوية في كل أرجاء المدينة، لتصبح العاصمة الصحراوية محررة تماماً ولو لساعات. كما شهدت المدينة عودة المغاربة إلى أرضهم وحتى بيع بعضهم لعقاراته، وهو ما يؤكد أن وجودهم بالمنطقة مؤقت وأنهم مستعدون للعودة من حيث أتوا متى ساءت الأوضاع.ويخشى المغرب من تكرار هذا السيناريو، إذ يُعد إطلاق الرصاصة الأولى بمثابة تحرر الصحراويين من كل القيود، لتتم السيطرة على المدن في غضون أيام أو أسابيع من بدء المواجهات بين الجيشين.أما العنصر الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول فهو العنصر الصحراوي بالجيش المغربي، والذي كان المغرب يُعوِّل عليه كثيراً في الحرب (1975-1991)، غير أنهم الآن ليسوا مستعدين لخوض تجربة القتال ضد إخوانهم من جديد في حرب هم الخاسر الأكبر فيها، لأنه إذا كانت الدعاية المغربية قد نجحت في تجنيدهم وتأليبهم على البوليساريو وكانوا حينها حديثي عهد بالمخزن، فإنهم باتوا اليوم يعرفونه جيداً ويدركون أن سيطرته على المدن لم تجلب لهم سوى التهميش والفقر، حيث لم يبن المغرب مستشفى واحدة بالمقاييس المطلوبة في جميع المدن الصحراوية ولا جامعة ولا أي استثمار حقيقي. وقد يُشكل غياب هؤلاء عنصراً حاسماً لأن خوض المعركة في صحراء شاسعة يتطلب وجود أبنائنها فم الذين خبروا وديانها وتضاريسها وهم وحدهم من يستطيع تحمّل العطش والزوابع والتيه، عكس المغربي القادم من طنجة أو الدار البيضاء أو الرباط والذي عاش حياته في المدن الكبرى.ويتعلق العامل الثالث بالداخل المغربي، حيث ستصل المديونية بحلول نهاية السنة الجارية إلى 91.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 1055 مليار درهم، حيث اقترض المغرب منذ بداية السنة إلى غاية شهر أغسطس الماضي 19.3 مليار دولار، لدرجة أن المؤسسات المالية الدولية أصبحت تتحاشى إقراضه.يُضاف إلى ذلك أن الداخل المغربي سياسياً سيشهد اضطرابات تقودها قطاعات اقتصادية واجتماعية متضررة من الوباء، ناهيك عن أزمة حراك الريف الذي لا يخفت إلا ليندلع من جديد. كل تلك الأسباب، متفرقة أو مجتمعة، تجعل من المغرب يفكر ألف مرة قبل الإقدام على الاقتراب من المدنيين الصحراويين الذين لا يزالون يغلقون ثغرة الكركارات.ورغم خسارته الاقتصادية اليومية من إغلاق الثغرة، إلا أن الحرب هي فاتورة لا يمكن سدادها مع اقتصاد متدهور وأوضاع اجتماعية هشة وشعب يعيش على صفيح ساخن. وبما أن المغرب فرض خلال العقود الماضية ثغرة الكركارات كأمر واقع جديد، فإنه يتوجب عليه اليوم التعامل مع الأمر الواقع الجديد المتمثل في إغلاق الثغرة، وإلا ستعود المنطقة إلى المربع الأول. وقد يكون إغلاق الكركارات خطوة أولى قد تعقبها خطوات أكثر جرأة كتنظيم مخيمات صيفية أو كشفية على الشاطئ الصحراوي في إطار فرض الأمر الواقع الجديد.وإذا كان ليس للصحراويين ما يخسروه غير أوراحهم التي هم على استعداد لبذلها وتقديمها فداءً لأرضه،م فإن المغرب بعد وقف إطلاق النار الجديد بالتأكيد لن يكون هو المغرب الذي كان.البشير محمد لحسنباحث بجامعة إشبيلية الإسبانية