رقمنة برامج التحويلات الاجتماعية ومكاسبها في إطار التجارب الدولية والإقليمية

0
664

يشكل موضوع رقمنة التحويلات الاجتماعية من المواضيع الهامة التي لاقت اهتماما بارزا في السنوات الأخيرة من طرف الكثير من الحكومات في إطار السياسات المتكاملة المرتبطة بالتوجه نحو رقمنة قطاع المالية العامة على ضوء متطلبات مشروع التحول الرقمي على مستوى الكثير من الدول، ويتمحور هذا الموضوع الهام وتبرز أهميته بكل تأكيد ضمن الرؤية المتكاملة التي تسعى بشكل أساسي نحو الاستفادة مما تتيحه التطورات الرقمية والتكنولوجية الهامة ضمن المجالات المتعددة ذات الصلة بدور الدولة وسياساتها المتنوعة، لا سيما في ذلك محاولة الاستفادة من تلك المكاسب الهامة والمعتبرة التي قد تتيحها مشاريع وبرامج رقمنة العديد من القطاعات الهامة، مع التركيز ضمن تلك المشاريع على ضرورة تحقيق الأبعاد المتصلة بالكفاءة والشفافية والمساءلة كمتطلبات أساسية تفرضها البيئة الداخلية والخارجية على ضوء التطورات الإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة.

وعلى ضوء الخبرات الدولية المكتسبة في هذا المجال، وضمن الجانب المتصل عموما بتوضيح تلك المكاسب الهامة المرتبطة بمشاريع وبرامج رقمنة التحويلات الاجتماعية على ضوء التجارب الدولية والإقليمية، فقد أشارت إحدى الدراسات الصادرة مؤخرا عن صندوق النقد العربي حول هذا الموضوع، إلى أن عمليات التحول الرقمي لنظم التحويلات الاجتماعية قد ساعدت الكثير من الدول النامية على زيادة مستويات التغطية لبرامج التحويلات الاجتماعية لعدد أكبر من المستحقين، ومكن من جانب آخر من تخفيض حجم التكاليف الإدارية المرتبطة بإدارة وتسيير تلك البرامج بشكل ملموس، ففي إطار التجربة البرازيلية تفيد الدراسة بأن عملية دمج أربعة برامج للتحويلات الاجتماعية في برنامج للتحويلات الاجتماعية الرقمية من توسيع نطاق تغطية الأسر المستفيدة من البرنامج ليصل عددها إلى نحو 80% من الأسر الفقيرة مقارنة بنحو 65% من الأسر في الفترة السابقة. كما ساعدت عملية الدمج من جانب آخر على خفض التكاليف الإدارية بما يقدر بنحو ثلاثة أرباع المستويات المسجلة قبل التحول الرقمي. كما أظهرت دراسات أخرى صادرة عن صندوق النقد الدولي أن التكنولوجيات الرقمية قد أسهمت في تحسين آليات توصيل المدفوعات المرتبطة بالرعاية الاجتماعية. فقد أدت رقمنة المدفوعات إلى تراجع كبير في تكلفة تنفيذ بعض البرامج مثل برنامج Ti Mamman Cheri في هايتي الذي يساعد الأمهات على دعم أسرهم، وكذا برنامج 4Ps في الفلبين الذي يقدم منحا نقدية إلى الأسر الفقيرة.

مما سبق، فإن الجزائر مدعوة على غرار باقي الدول الأخرى على بذل المزيد من المجهودات الهامة للاستفادة بشكل عام من تلك المكتسبات الهامة التي تتيحها سياسات وبرامج رقمنة التحويلات الاجتماعية على ضوء التجارب الدولية والإقليمية، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الحجم الهام لتلك النفقات المرتبطة بنظم التحويلات الاجتماعية في الجزائر ضمن الميزانية العامة للدولة، ونشير هنا على سبيل التوضيح على ضوء ما ورد ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2022 إلى أن حجم الدعم قد سجل في المتوسط خلال الفترة 2012-2017 ما يقارب 3 250 مليار دج سنويا، أي حوالي  19,3%  من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يمثل ما بين 30 و 40 مليار دولار أمريكي حسب تغيرات أسعار الصرف. وبذلك يعد توجه الدولة نحو فكرة إنشاء جهاز وطني للتعويضات النقدية لصالح الأسر المؤهلة خطوة هامة وفي الاتجاه الصحيح حسب ما أشارت إليه المادة 187 من مشروع قانون المالية لسنة 2022، ذلك أنه من خلال هذا التوجه الجديد ستتم مراجعة سياسات الدعم المعمول بها حاليا قصد ضبطها وزيادة فعاليتها على الصعيد الميزانياتي على ضوء مكتسبات التجارب الدولية، لا سيما منها تلك الجوانب المتصلة برقمنة سياسات وإجراءات تقديم تلك التعويضات النقدية المزمع تقديمها ضمن مشروع تأسيس الجهاز الوطني للتعويضات النقدية في الجزائر.

الدكتور عبد الحكيم عمران/  كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا