نحو نظام محاسبي متكامل مكرس لثقافة المساءلة والشفافية المالية للأحزاب السياسية والجمعيات في الجزائر

0
324

تشكل الأحزاب السياسية والجمعيات أهم الآليات التي تعكس نشاط المجتمع عبر تلك الأدوار المتعددة التي تمارسها في عديد المجالات على مستوى أي دولة، وبذلك فإن الأحزاب السياسية تعد في هذا الإطار أهم الدعامات الأساسية للنظم الديمقراطية المعاصرة، أما الجمعيات فإنها بمثابة الجهات الداعمة والفاعلة التي لا غنى عنها على مستوى أي دولة، لا سيما وأن العمل الجمعوي والتطوعي والخيري بوصفه كقطاع ثالث في بعده الواسع أصبح جزءا متزايد الأهمية من نسيج الاقتصاد العالمي.

وفي هذا الإطار، وفي إطار التجربة الجزائرية، فقد كرس الدستور الحالي على غرار الدساتير السابقة حق إنشاء الأحزاب السياسة والجمعيات في الجزائر، لا سيما ما أشارت إليه المواد 53، 57 و58 من الدستور الصادر بتاريخ 30 ديسمبر 2020، حيث نصت المادة 03 من القانون العضوي رقم 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية، على أن الأحزاب السياسية تهدف عبر مشاريعها وبرامجها السياسية إلى الوصول بوسائل ديمقراطية وسلمية إلى ممارسة السلطات والمسؤوليات في قيادة الشؤون العمومية. أما الجمعيات، وعلى ضوء المادة الثانية من القانون رقم 12-06 المتعلق بالجمعيات، فإنها تهدف عبر المشاركة والتطوع للأشخاص إلى القيام بمجموعة من النشاطات والبرامج ذات المنفعة العامة، لا سيما تلك النشاطات ذات العلاقة بالمجالات الاجتماعية والعلمية والدينية والثقافية والرياضية والبيئية والإنسانية.

وفي هذا السياق، فإن قيام تلك الأحزاب السياسية وكذا الجمعيات بمختلف النشاطات والبرامج التي تأسست من أجلها يتطلب دون شك موارد مالية هامة، وقد سمحت القوانين المشار إليها سابقا بأن يتم تمويل تلك الأحزاب السياسية أو الجمعيات من مصادر متنوعة، منها اشتراكات الأعضاء، الهبات والتبرعات، وكذا الإيرادات المتأتية من الأملاك والنشاطات، وذلك بالإضافة إلى الإعانات والمساعدات التي يمكن أن تقدمها الدولة أو الجماعات الإقليمية.

وفي ضوء تلك التطورات المرتبطة بالأحزاب السياسية أو بالجمعيات من حيث عددها وهياكلها ومكاتبها، وكذا من حيث مواردها المالية وحجمها وتمثيلها في التجربة الجزائرية، فإن التكريس لثقافة المساءلة والشفافية المالية على مستوى الأحزاب السياسية وكذا على مستوى كل الجمعيات مهما كان شكلها وحجمها في الجزائر يعد أكثر من ضرورة في الوقت الراهن، وقد يكون من المفيد جدا إصدار نظام محاسبي متكامل(أو معيار محاسبي متكامل) يكون مرجعا تطبيقيا لإعداد التقارير المالية للأحزاب السياسية والجمعيات، وبما يسمح بعرض المعلومات المالية وغير المالية لكل الأطراف ذات المصلحة قصد الحكم على أداء تلك الأحزاب السياسية والجمعيات من جهة، ومن جهة أخرى ضمان متابعة الموارد المالية للأحزاب السياسية والجمعيات ومصادرها، وكذا معرفة مجالات صرف تلك الموارد ومدي مطابقة عمليات صرفها للقوانين الجاري العمل بها. وفي هذا الإطار نشير على سبيل المثال إلى ما قامت به الجمهورية التونسية في هذا المجال، حيث بتاريخ 16 فيفري 2018 تم إصدار قرار من وزير المالية مؤرخ في13 فيفري 2018 يتعلق بالمصادقة على معيار المحاسبة الخاص بالجمعيات والأحزاب السياسية والوحدات ذات الأهداف غير الربحية الأخرى. ويرمز إليه بالمعيار المحاسبي عدد 45. وهذا المعيار المحاسبي التونسي يعتبر حسب المختصين في هذا المجال خطوة في الاتجاه الصحيح، خصوصا وأنه تم من خلاله التوضيح لطبيعة القوائم المالية الواجب إعدادها وشكلها، وكيفيات إعدادها من خلال إطار مفاهيمي ومدونة حسابات وقواعد سيرها، وكذا المبادئ والفروض المحاسبية المعمول بها ضمن النظام المحاسبي للمؤسسات.

وما قد يبرر ضرورة إصدار معيار أو نظام محاسبي متكامل للأحزاب السياسية والجمعيات في الجزائر هو ما أشار إليه مجلس المحاسبة في الجزائر ضمن تقاريره الدورية في مجال تقييمه للعملية المرتبطة بالإعانات الممنوحة للجمعيات المحلية على مستوى عدة ولايات، خصوصا وأن هذه الإعانات هي مال عام يقتضي صرفه مراعاة الضوابط المعروفة في مجال التسيير العمومي، حيث تم رصد عدة مخالفات واختلالات تتعلق بشكل رئيسي في عدم مراعاة معايير منح الإعانات المنصوص عليها في الأحكام التشريعية والتنظيمية التي تحكمها، وكذا غياب المتابعة والمراقبة لكيفية استعمال تلك الإعانات من طرف الهيئات المانحة، وقد نذكر من تلك المخالفات على سبيل المثال: غياب الإعلانات الخاصة بتقديم طلبات الإعانات، منح إعانات في غياب مداولات الهيئات المؤهلة، غياب دفاتر الشروط وعقود البرامج، نقص الشفافية في التسيير المالي للجمعيات، غياب الرقابة والمتابعة لاستعمال الإعانات من طرف الجهات المانحة، عدم إيداع التقارير المالية للجمعيات على مستوى بعض المصالح الإدارية الأخرى ذات العلاقة.

وفي الأخير، وفي ضوء ما سبق، فإن الجزائر مدعوة إلى الاستفادة من التجربة التونسية وغيرها من التجارب الأخرى في مجال إصدار معيار محاسبي يتعلق أساسا بمحاسبة الأحزاب السياسية وكذا الجمعيات الوطنية والمحلية، وذلك قصد ضمان تحقيق مستويات هامة من المساءلة والشفافية وحسن التسيير الهادف إلى الوصول إلى تحقيق المنفعة العامة على كل المستويات ضمن رؤية تؤسس لأحزاب سياسية وجمعيات وطنية ومحلية فاعلة على مستوى المجتمع.

الدكتور عمران عبد الحكيم/ كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا