الأديب الفلسطيني بشارة مرجية لـ"أخبار الجزائر الجديدة":

لغياب النقد في أدب الطفل هنالك إصدارات هدامة للطفولة

0
441

أدب الطفل في العالم العربي يعد من مستحدثات الفنون الأدبية في منتصف القرن الماضي وعرف اهتماما نسبيا بين بلد عربي وآخر وكان بمثابة العودة إلى بناء الإنسان العربي انطلاقا من الجذور
غير أن عوامل مختلفة ما تزال تعيق انطلاقة واسعة في عالمنا العربي لهذا الأدب الذي يُعد ظهوره اعتبارا بشخصية الطفل والاهتمام بها والاعتراف بحقوقها الإنسانية من هذه العوامل ركود الحياة الثقافية في كثير من بلدان العالم العربي تراجع فن المقروئية عموما ومنها أسباب أدبية وعلمية أخرى والتي نراها تتعلق بالحركة النقدية لهذا الأدب والنقد هو عامل أساسي للتطوير والارتقاء بالفنون والآداب والعلوم ولعل الأهم من ذلك كله نقص الدراسات النفسية العلمية التي تفتح أبوابا في عالم نفس الطفل مما يجعل الكتابة للطفل مجرد مقاربات لا تنطلق من أسس علمية ومعرفية بعالم الطفل ونفسيته ومع ذلك نجد أسماء كبيرة واصلت مسيرتها رغم كل الصعوبات وسجلت بصمتها في عالم الكتابة للطفل من بينها الأديب الفلسطيني الكبير الدكتور بشارة مرجية الذي أجرينا معه هذا الحوار.

عرّفنا باختصار عن حياتك؟

أنا الدكتور بشارة مرجية، فلسطيني أسكن في مدينة الناصرة. ولدت عام 1954، متزوج، وجد لأربعة أحفاد. حصلت على شهادة الدكتوراة عام 1995، بعد أن قدمت رسالة رائعة عن شخصية المرأة في الأدب العربي القديم حتى القرن الثامن عشر. ألفت حتى هذا اليوم سبعين كتابا في الأدب العربي وأدب الأطفال، وجميع هذه الكتب منتشرة في المكتبات المحلية والعربية والعالمية.

حدثنا عن مسيرتك وانجازاتك في حقل أدب الأطفال؟

بدأت الكتابة للأطفال قبل أكثر من ثلاثين سنة، ووضعت حتى الآن أكثر من عشرين بحثا في حقل أدب الأطفال، وأكثر من ثلاثين قصة للأطفال، بالإضافة إلى ترجمة أكثر من أربعين قصة للأطفال من اللغات الأجنبية إلى العربية، كما ونقحت مئات القصص للأطفال، والتي ألفها الكتاب والكاتبات المحليون، وذلك من خلال وظيفتي، عندما كنت مديرا لمركز أدب الأطفال العرب، ونشرت عشرات الحوارات والمقالات حول أدب الأطفال، في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية، الصادرة والمنتشرة، في أكثر من أربعين دولة عربية وأجنبية.

هل أنت تؤيد بأن الكبار يكتبون للصغار أم أن الصغار يكتبون لأنفسهم؟

أنا أؤيد كل من يكتب للأطفال، صغيرا كان أم كبيرا، راجيا من الكبار بأنهم إذا أرادوا أن يكتبوا للأطفال، عليهم أن يكتبوا من عالم الطفولة وليس من عالمهم، وأن يستخدموا قاموس الأطفال وليس قاموسهم، وأما بالنسبة للصغار، فعلينا أن نشجعهم ونحثهم على الكتابة والإبداع، لأن كتاباتهم ستكون في قمة الواقعية، وتأثيرها سيكون قويا في نفوس الأطفال، لأنهم هم من يعيشون في عالم الطفولة، وهم من يعرفون قاموسهم اللغوي، وكيفية التعبير بشكل رائع وصادق، عن أفكارهم وآمالهم واحتياجاتهم .

هل يوجد نقد لأدب الأطفال؟ وما هي رؤيتك المستقبلية في هذا الصدد؟

النقد لأدب الأطفال ضئيل جدا، وكأنه غير موجود في عالمنا العربي، بعكس انتشاره وتوسعه في العالم الغربي، وهذا أدى لفتح الأبواب أمام كل من أراد أن يكتب للأطفال، فانتشرت وما زالت تنتشر أعداد كبيرة من الكتب للأطفال لا تستحق الإصدار، لأن من وضعها لم يدخل في عالم الطفل، ولم يستخدم قاموس الأطفال، وحتى أن بعض هذه الإصدارات هدامة للطفولة، بينما لو كان النقد قائما لحارب هذه الظاهرة الخطيرة، ووقف حاجزا ضد نشرها وإصدارها، وحسب رأيي : آن الأوان أن يأخذ النقد دوره الهام في أدب الأطفال، وأن يتوسع وينتشر في عالمنا العربي، لأن هذا النقد سيرفع من مستوى الكتابة للأطفال، وسيزيد شأنا لأدب الأطفال.

ما هي أكثر الأنواع الأدبية المحببة للأطفال؟

إن أكثر الأنواع الأدبية المحببة للأطفال هي القصص، لأنها بمثابة الغذاء الرئيس للأطفال من الناحية الفكرية والعاطفية والنفسية، من هنا علينا نحن الآباء والأمهات أن نزود هذه القصص لأطفالنا، والاعتناء بها في جميع مراحل الطفولة، لأنها توسع آفاقه، تزوده بالعواطف الدينية والوطنية، تساعده على تجنب الأخطار، تغرس فيه الاستقرار النفسي، تعرفه بالعادات والتقاليد، توصله بالثقافات المختلفة والحضارات المجاورة، تقوي فيه مهارات التحدث، تعطيه الفرصة للأحلام، تبرز طاقاته الإبداعية، تبث الثقة في نفسه لدفعه إلى النجاح، توقفه على حقيقة الحياة وما فيها من خير وشر، تخلصه من الانفعالات الضارة، تزوده بالمعلومات والمعارف والتكنولوجيات، تنمي فيه روح النقد، ترسخ فيه القيم والأخلاق الحسنة، تنمي إدراكه، تساعده على اكتشاف مواهبه، تعرفه بالصواب والخطأ، تقوي فيه روح الانتماء إلى المجتمع، تنمي فيه الشعور والإحساس اتجاه المخلوقات والكائنات الأخرى، تفرحه وتسليه، تساعده على “تقمص” شخصيات يحبها، تنمي فيه الذوق الفني، تساعده على توسيع قاموسه اللغوي، تساعده على التذكر وربط الأزمان، تعرفه بالشخصيات التاريخية والأدبية والدينية.. ولهذه الأسباب تعتبر القصص من أكثر الأنواع الأدبية المحببة للأطفال.

متى يستطيع الكاتب أن يكتب للأطفال؟

الكتابة للأطفال عملية صعبة، ولا يستطيع أي كاتب /ة أن يكتب للأطفال، وحتى يكتب الكاتب أو الشاعر للأطفال، عليه أن “يتقمص “شخصية الطفل، ويفكر بطريقته لكي يصل إلى عقله وتفكيره، ولا يتم هذا إلا إذا توفرت فيه /فيها المميزات والشروط التالية:
معرفة قاموس الأطفال اللغوي، معرفة أصول التربية والأصول الفنية لكتابة القصة أو المسرحية أو الشعر أو الأغنية، التفاعل مع مادة الحياة التي يختارها للأطفال بروحه وعواطفه، الابتعاد عن غريب الألفاظ والمجاز، استخدام الجمل القصيرة، العلم بمستويات الأطفال من الناحية التفكيرية خلال مراحل الطفولة، معرفة كل مرحلة من مراحل الطفولة من ناحية اهتماماتها وميولها وخصائصها، عدم المبالغة في التفصيل واختيار المعاني الحسية، الاعتماد على اللغة السهلة، والتمتع بالإحساس الفني الصادق والموهبة الخارقة، التزود بالدراسات والأبحاث المتعلقة بأدب الأطفال، التزود بعلم نفس الطفل حتى يعي مستوى فهم الطفل ووعيه وذكائه، والإلمام بجميع المميزات الفنية التي تميز كل نوع من أشكال أدب الأطفال.. فإذا توفرت هذه المميزات والشروط في كاتب/ة أدب الأطفال، فإنه يستطيع أن ” يتقمص ” شخصية الطفل، ويفكر بطريقته، ويصل إلى عقله وتفكيره.

هل الكاتب العربي يستطيع أن يكتب لجميع الأطفال في الأقطار العربية مع أن هناك اختلافات بينهم من ناحية البيئات والخصوصيات ومناهج التعليم وغيرها في كل قطر وقطر؟

إن رسالات أدب الأطفال عامة وشاملة، ومقدمة لجميع الأطفال العرب في جميع الأقطار العربية، وفي العالم اجمع، دون أي استثناء. فعندما يكتب الكاتب للأطفال، فإنه لا يكتب لأطفال معينين في قطر معين، وإنما يكتب لجميع الأطفال، حتى ولو اختلفت البيئات والخصوصيات التي يعيش بها الأطفال، لأن الرسالات الكامنة في أدب الأطفال تحمل في طياتها الفرحة، البهجة، السعادة، الحياة الحلوة، الدعم والحث، الإرشاد والتنبيه، القيم والأخلاق، العلم والتهذيب، بناء الشخصية وتعزيزها، ورفع شأن الطفولة في كافة المجالات.. وهذه الأمور تنطبق على جميع الأطفال العرب، في جميع الأقطار التي يعيشون بها، طبعا مع مراعاة الظروف البيئية والحياتية والخصوصيات التي يعيشها الأطفال في كل قطر وقطر.

كيف يتعامل كاتب أدب الأطفال مع الحقيقة أو الواقع المستقبلي للأطفال المهدد بالاستعمار؟

لقد ذاق أطفالنا العرب المرارات والعذابات، والظروف الحياتية الصعبة، نتيجة الاستعمار والأحوال السياسية والاجتماعية القاسية، وما زال بعضهم يعيشون تحت هذه الظروف، وحتى أن بعضهم سيعيشونها مستقبلا.. لذا على كاتب أدب الأطفال أن يعرف كيفية اختيار وسائله التعبيرية للمواضيع التي يريد أن يتطرق إليها، حتى يكون نتاجه المقدم للأطفال مفعما بالدعم والحث والتشجيع، بالتفاؤل والأمن والطمأنينة، بالفرحة والسعادة والبهجة، والابتعاد عن عناصر التخويف والقلق واليأس، وذلك بتبسيط الأمور وعدم تعقيدها، وبأسلوب قريب من عالم الطفولة، وأن تكون رسالته واضحة من خلال نصه، بأن كل شيء سيتغير، والحياة ستتحسن، والمستقبل المشرق سيكون قريبا بمشيئة الله.

هل هناك انسجام متقارب بين المنشد والمغني والشاعر والكاتب والراسم عندما يكتبون للأطفال، أم أن كل واحد منهم يكتب كما يحلو له؟

نعم هناك انسجام متقارب بين جميع الأشخاص الذين ذكرتهم بسؤالك، لأن هذا الانسجام هو الذي سيؤدي إلى نجاح العمل الأدبي الذي سيقدمونه للأطفال، وإذا حاول أي واحد منهم أن يكتب للأطفال كما يحلو له، فان ما سيكتبه مصيره الفشل وعدم النجاح، لذا من الأفضل أن يظل هذا الانسجام قائما بينهم، لان الرابح منه في نهاية المطاف، هم الأطفال.

هل فكر أهل الثقافة في العالم العربي بأن يكسروا القطيعة الثقافية بينهم، والتي فرضتها الظروف والأوضاع الخاصة، مع أن أدب الأطفال يخلو من السياسة والأيديولوجية؟

أدب الكبار يختلف كليا عن أدب الأطفال، لأن السياسات والايدولوجيات تلعب دورا في أدب الكبار، وهي السبب الرئيس في تكوين الانشقاقات أو “القطيعة” بينهم. أهل الثقافة في العالم العربي يستحقون الثناء والشكر، على تحملهم المشاق والصعوبات والملاحقات وهم ينشرون أفكارهم ورسالاتهم، ولكن الظروف السياسية والأحوال الاجتماعية التي يمرون بها، تفرض تأثيراتها السالبة عليهم، في طرق تعابيرهم وعلاقاتهم مع إخوانهم في العالم العربي، من هنا فأسباب هذه “القطيعة” بينهم لا تعود إليهم، وإنما إلى الظروف والأوضاع الخاصة التي تفرضها عليهم السلطات الحاكمة، ولو كان الأمر بأيدي أهل الثقافة، لقاموا وقضوا على هذه “القطيعة”، ولرأينا صورة أفضل في أواصر علاقاتهم بين بعضهم البعض في العالم العربي، وحسب رأيي سيتغير هذا الوضع، وستمحى هذه “القطيعة” بمشيئة الله، وهذا ما يفكر فيه أيضا أهل الثقافة في العالم العربي.

هل تؤيد المزيد في كتابة الرواية والقصة القصيرة والحكاية والأمثال والنكت في أدب الأطفال؟

أدب الأطفال عالم واسع، يدخل فيه جميع الألوان الأدبية، من رواية ومسرحية، قصة قصيرة وحكاية، وأمثال ونكت وغيرها.. ويبقى السؤال: هل نسبة هذه الألوان شائعة ومنتشرة في أدب الأطفال؟ فجوابي لا.. لذا يجب الإكثار من كتابة هذه الأنواع الأدبية، ورفع نسبة انتشارها في أدب الأطفال، لأن الأطفال سيستفيدون منها كثيرا، وستحثهم من خلال قراءتها إلى الإبداع والإنتاج.

12) قال نزار قباني:” المجد للضفائر “، فرد عليه الشاعر مظفر النواب: “المجد للأطفال”، وأنت ماذا تقول؟

أرد عليهما بقولي: مجدنا بأطفالنا
كلمة أخيرة تودّ إيصالها إلى الآباء والأمهات…
يا أيها الآباء والأمهات، لقد منحكم الله البنين والبنات، وهم أغلى من في الوجود، وجعلهم زينة الحياة، فاشكروا ربكم على هذه النعمة دائما وأبدا، وما أرجوه من حضرتكم هو: أن تقوموا برعاية فلذات أكبادكم، أن تلبوا احتياجات أولادكم وبناتكم، أن تغرسوا في نفوسهم القيم الرفيعة والأخلاق الحسنة، وأن تشاركوهم، تعلموهم، تشجعوهم، وتدعموهم.. لأن أطفال اليوم هم رجال المستقبل.. والشكر لله دائما وأبدا.
في ختام هذا الحوار، أشكر الأديب الطاهر يحياوي، على أسئلته الشائقة الوافية الشاملة، متمنيا له النجاح والتوفيق، والمزيد من التألق والإبداع.
حاوره: طاهر يحياوي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا