منذ إنسحاب موريتانيا من النزاع في الصحراء الغربية بموجب معاهدتها مع البوليساريو الجبهة الوطنية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في الخامس أوت 1979، وقعت الأراضي الصحراوية فريسة للمغرب حيث شرع في نهب ثرواتها وضم ما إستطاع من أراضي تحتوي على موارد باطنية هائلة منها الفوسفاط والملح الحجري والثروة السمكية، فالأراضي المحتلة منذ 31 أكتوبر 1975 أسست لمفهوم الدولة الناهبة حيث لجأ المغرب إلى سياسة التعويم الديمغرافي وإستيطان الصحراء بـ 350 ألف مغربي ضمن عملية المسيرة الخضراء التي إكتسحت الأراضي الصحراوية عام 1975، مذاك سعى المغرب إلى تحقيق ثلاثة أهداف إستراتيجية :أولا فتح منافذ حدودية مع الدول الإفريقية إستخدمتها في تجارة الملح الحجري الصحراوي وتصديرها لبلدان الساحل الفقيرة إليه وتنظيم السياحة البرية وتسيير المواصلات التجارية من أوروبا إلى إفريقيا عبر الصحراء ذهابا وإيابا، ثانيا الهيمنة على ثروات الصحراء الغربية لكسب مرتبة الدولة الكبرى إقتصاديا وثالثا زيادة المساحة الإستراتيجية للدولة.
إحتلال المغرب للصحراء عام 1975 مكنها من تبوء المرتبة الثالثة عالميا في إنتاج وتصدير الفوسفاط حيث يمثل منجم بوكراع وسط الصحراء الغربية وحده 9 % من احتياط العالم من الفوسفات و15 % من إحتياطات القارة الإفريقية وترجع أهمية هذا المنجم لقربه من سواحل الأطلسي بحوالي 100 كلم فقط وتصل طاقته الإستخراجية السنوية الى20 مليون طن ونظرا لأهمية الفوسفات في تقدم وتحديث الدول لإحتوائه على مادة الفوسفوريك المادة الأساسية في الصناعات التعدينية ومادة اليورانيوم التي تصل نسبتها في فوسفاط الصحراء الغربية إلى 200غ/طن إلى وجود عنصر التيتانيوم الذي يزود صناعة الطيران بالمتانة وعنصر الفاناديوم المطلوب في صناعة المركبات الفضائية حيث ترتب الصحراء الغربية الثالثة بعد جنوب إفريقيا في هذه المادة.
وتكشف دراسات في الأمن الفضائي عن تعاون أمريكي مغربي للإستحواذ على باطن الصحراء حيث تقوم وكالة ناسا للأبحاث الفضائية الأمريكية بوضع منجم بوكراع تحت المراقبة الفضائية الدائمة وصار يمثل أحد الشواغل الإستراتيجية لها والتي لم تتوقف عند هذا الحد حيث أصبحت تشرف بالتعاون مع المغرب على المسوح الإستشعارية الجيوفزيائية التي تطال الأحواض الرسوبية الثلاثة التي تتربع عليها الصحراء المحتلة منها الحوضان الساحليان، حوض العيون الطرفاية والحوض الموريتاني السنغالي اللذان يملكان تركيبة جيولوجية تسمح بوضعهما في مصاف الأحواض البترولية الواعدة وفي ظل هذا الوضع مازالت الشركات الأمريكية تمارس التنقيب الإستشعاري في المياه الإقليمية المقابلة لسواحل الصحراء منذ فترة بعيدة الشيء الذي يدلّل على وجود وفرة من البترول والغاز بكميات تجارية كبيرة بمنطقتي أوديات أم ركبة والبيتومين في حوض العيون.
لقد أصبحت الولايات المتحدة تعين مصالحها الإقتصادية في الصحراء المحتلة من الفضاء أي أن الصحراء أرض لا لأحد terra nullius حيث يزيدها زخما مبدأ محكمة العدل الدولية فالصحراء الغربية من وجهة نظر القانون الدولي لم تكن مملوكة لأحد إذ يحق لكل من أراد إحتلالها ونهبها فلا سيادة تاريخية ثبوتية لسلطة أو شعب حر هناك، فقد أجابت المحكمة الدولية في لاهاي الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلبها في أحقية المغرب في ملكية الصحراء بأن هذه الأخيرة لا تمتلك شواهد بأنها كانت محكومة من أحد ترجع له السيادة عليها وبالتالي فهم الأمر على أنه فراغ.
تقوم الولايات المتحدة اليوم كذلك باستكشافات إلى الغرب من رأس بوحدير على مساحات كبيرة تقدر بـ114556 كلم مربع أما في حوض العيون الطرفاية فتبسط شركة أنتربرايز أويل سيطرتها دون إتفاق أو ترخيص من الجمهورية العربية الصحراوية ومن تم إرشاد المغرب إلى نهب ثروات الصحراء ومساعدتها على ذلك بإمدادها بشتى أنواع المسوح الفضائية في إطار التعاون الأمني والإقتصادي نظير مبيعات الأسلحة والإعتراف بإسرائيل كدولة قابلة للحياة.
ماذا خسرت المغرب؟ و ماذا ربحت إسرائيل؟
لطالما مثلت قيادة المغرب للمؤتمر الإسلامي ولجنة القدس تطويقا لإسرائيل لمدة طويلة غير أنه بترسيم التمثيل الدبلوماسي مع الكيان المحتل لفلسطين أسقط عدالة القضية وجعل من إسرائيل مطوّقة للعرب على أنها دولة قابلة للحياة تطلب حقها في العلاقات الدولية طبقا للقانون الدولي، العكس الذي يحصل مع الجمهورية العربية الصحراوية حيث تعترف بها 38 دولة في العالم غير أن الجامعة العربية لا تعترف بعدالة قضيتها، كما أنها لا تحوز عضوية الأمم . المتحدة إذ يعدّ ذلك ترخيصا للدولة الناهية وتكريسا لمبدأ Terra Nullius .
إن البناء على هذه المكتسبات بالنسبة للمغرب كالذي يبني على جرف هار حيث ينقصه في هذا البنيان ما يلي:
1ـ جبهة شعبية داخلية داعمة الشيء الذي لا يتوفر له.
2ـ مواجهة تبعات خيانة تعهداته وإلتزاماتها الثابتة في منطقة المؤتمر الإسلامي.
3ـ تحمّل التكلفة الأخلاقية والسياسية على المديين القصير والتاريخي لتفريطها في قضية القدس الشريف النقطة الإرتكازية والثابتة في مسار القضية الفلسطينية، وستعمل هذه النقاط كموانع لإعادة إدماج المغرب في بيئته الطبيعية يوما تتبدل فيه الأحوال.
بقلم: عمار غياط باحث في العلاقات الدولية