سياسات تطوير صناعة التمويل الأصغر في الاقتصاد الجزائري

0
589

عرفت صناعة التمويل الأصغر خلال أكثر من أربعين سنة تطورات هامة تعكسها الكثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية ذات الصلة بمجالات التمويل الأصغر، لا سيما منها تزايد عدد المستفيدين من الخدمات المقدمة من طرف مؤسسات التمويل الأصغر من سنة إلى أخرى، ليبلغ على ضوء الإحصائيات الأخيرة أكثر من 140 مليون مقترض نشط تم تمويلهم فقط من طرف 916 مؤسسة للتمويل الأصغر في نهاية سنة 2018، وقد تعددت الطبيعة القانونية للمؤسسات الناشطة في مجالات التمويل الأصغر، لتشمل كلا من البنوك التجارية، وكذا الشركات المتخصصة في تقديم خدمات التمويل الأصغر، وأيضا المنظمات غير الحكومية، إضافة إلى برامج أخرى حكومية ذات صلة بمجالات التمويل الأصغر.

وعلى ضوء تلك التطورات الهامة، يشكل التمويل الأصغر إحدى الآليات الواجب العمل على تطبيقها على مستوى الاقتصاد الجزائري، وذلك لما له من أهمية في مجال الرفع من مستويات الشمول المالي ضمن أنظمة مالية رسمية شاملة للجميع، وكذا لما له من أهمية ضمن مجالات تطوير وتمويل منظومة المشروعات المصغرة والعائلية، وما قد يرتبط به أيضا من مسائل أخرى تتعلق بأهداف تحسين مستويات التشغيل وتوفير مناصب الشغل.

وبذلك، توجد العديد من السياسات التي يمكن من خلالها تقديم مجموعة متعددة من الخدمات المالية وغير المالية ضمن أفضل الممارسات المتعارف عليها على المستوى الدولي في مجالات التمويل الأصغر، ضمن الإستراتيجية الوطنية لتطوير صناعة التمويل الأصغر على مستوى الاقتصاد الجزائري، وهذه السياسات المقترحة يمكن ذكر البعض منها من خلال النقاط التالية:

1. إقامة مؤسسات تمويل متخصصة في مجالات التمويل الأصغر: وهي بمثابة شركات هادفة لتحقيق الأرباح، يتركز نشاطها في العمل على تقديم مجموعة متنوعة من الخدمات المالية المناسبة والملائمة لتمويل احتياجات أصحاب المشروعات المصغرة والعائلية، كما تهتم بتقديم الخدمات المالية الأخرى الملائمة لأفراد الفئات المستهدفة مثل: الخدمات المالية في مجال تعبئة المدخرات، التأمين الأصغر،….إلخ.

2. إقامة شراكة بين المؤسسات المالية المهتمة بمجالات التمويل الأصغر (بنك عمومي مثلا) وهيئة البريد الجزائرية: ضمن هذه الرؤية لا تقوم المؤسسات المالية المهتمة بالتمويل الأصغر بإقامة فروع جديدة خاصة بها على مستوى المناطق المحلية المستهدفة، بل يتم فقط إقامة شراكة مع فروع هيئة البريد الجزائرية لتقدم من خلالها تلك المؤسسات المالية خدماتها المالية في مجالات التمويل الأصغر إلى الأفراد، وقد يتناسب هذا المقترح مع أوضاع البنوك التجارية الجزائرية المهتمة بتقديم الخدمات المالية ضمن اهتمامها بمجالات التمويل الأصغر على غرار البنوك الأخرى في الكثير من دول العالم.

3. إقامة أقسام مستقلة ومتخصصة في مجالات التمويل الأصغر على مستوى البنوك التجارية العاملة في الجزائر: ويتجسد ذلك من خلال دعوة البنوك إلى التفكير في إمكانية إقامة أو تخصيص فروع تتخصص في مجال تقديم الخدمات المالية في مجالات التمويل الأصغر، ويمكن أن تكون هذه الفروع المستقلة إما على مستوى البنوك التجارية العمومية أو البنوك التجارية الخاصة العاملة في القطاع المصرفي الجزائري، ويمكن في هذا المجال الاستفادة من الدروس والخبرات المكتسبة ضمن التجربة النموذجية لبنك البركة الجزائري في مجال التمويل الأصغر الإسلامي، وكذا التجربة الأخيرة لمصرف السلام-الجزائر.

4. إقامة الشبكات المالية التعاونية (بنوك قروية، أو تعاونيات للادخار والإقراض): يمكن تأسيس تلك الشبكات المالية التعاونية في إطار ما ينص عليه القانون الجزائري لتنظيم وممارسة تلك التعاونيات المالية لنشاطات الإقراض والادخار، وقد يكون للمنظمات غير الحكومية في الجزائر الدور البارز ضمن هذه الشبكات المالية التعاونية.

5. تأسيس بنوك لتنمية الأفراد من ذوي الدخل المحدود: وقد يكون ذلك ممكنا بالتعاون مع برنامج الخليج العربي للتنمية” AGFUND”، والذي أصبح في السنوات الأخيرة يملك خبرات هامة مكتسبة في مجالات التمويل الأصغر عبر تأسيس العديد من هذه البنوك المتخصصة على مستوى العديد من الدول العربية.

6. إقامة صناديق للتعاون الجواري: ويتعلق الأمر بتأسيس صناديق للتعاون الجواري على المستوى المحلي، ويمكن الاعتماد في تأسيسها على الدعم التقني والمالي الذي يمكن أن يقدمه الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والذي له خبرة واسعة جدا في مجال تطوير برامج ضمن التمويل الأصغر الريفي، كما يمكن الاستفادة من تجربة الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي في مثل هذه المجالات عبر ما يملكه من فروع وشبكات محلية على مستوى الكثير من الولايات.

الدكتور: عبد الحكيم عمران/ كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا