تزايد الاهتمام بالضرائب على الخدمات المالية كتوجه لدعم الإيرادات العامة للدولة

0
564
الضرائب

في السنوات الأخيرة يلاحظ تزايد الاهتمام بموضوع الضرائب على الخدمات المالية بمختلف أنواعها ومجالاتها المقدمة أساسا من مختلف الفاعلين ضمن القطاع المالي، ويتأسس هذا الاهتمام على ضوء ما تفرضه التغيرات الإقليمية والدولية من ظروف تجعل من الدول والحكومات تبحث عن بدائل هامة لدعم مواردها المالية عبر تعزيز مساهمة تلك الضرائب المترتبة على مختلف الخدمات المالية التي يتيحها القطاع المالي ضمن إجمالي الإيرادات العامة للدولة، وقد يرتبط هذا الاهتمام أيضا بمحاولات تحقيق مبدأ العدالة الضريبية ضمن النظم الضريبية للدول التي تتميز على مستوى الكثير من الدول بافتقارها للعدالة الضريبية وضعف قاعدتها الضريبية من حيث مجالاتها وقواعد فرضها بالنسبة للمكلفين بها.

ومن الناحية التاريخية، فإنه يجدر بنا التذكير في هذا السياق بأن هذا الاهتمام المتزايد بموضوع الضرائب على الخدمات المالية بمختلف أنواعها وصيغها قد تعزز أكثر بداية من عام 2008 في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2007/2008 وما ترتب عنها من نتائج وتداعيات مست القطاع المالي والمصرفي على مستوى الدول الكبرى، وهو ما دفع بقادة تلك الدول إلى الدعوة إلى ضرورة تحمل المؤسسات المالية لمساهماتها الحالية في شكل ضرائب ورسوم قصد مواجهة ظروف مماثلة قد تفرضها إخفاقات أو أزمات مالية في المستقبل، خصوصا إذا تذكرنا أن إجمالي التكاليف المالية المترتبة على الدعم الحكومي للقطاع المصرفي خلال الفترة 2007-2017 بالنسبة لمجموعة دول الإتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وكندا وأستراليا، والبرازيل واليابان، ونيوزيلندا وأوكرانيا قد بلغ حوالي 3,5 تريليون دولار أمريكي، منها حوالي 1,6 تريليون دولار أمريكي في شكل تدخل مباشر، وهذا على ضوء ما أشارت إليه إحدى الدراسات الصادرة عن صندوق النقد العربي في هذا المجال في عام 2020.

وضمن السياق العام للنظم الضريبية، وبمراجعة هيكل وأداء الإيرادات الضريبية على مستوى الدول العربية، فإن يلاحظ بشكل عام تدني الحصيلة الإجمالية للإيرادات الضريبية على مستوى الدول العربية، بحيث لم تتعدى الحصيلة الإجمالية للإيرادات الضريبية في الدول العربية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي معدل 7,3% خلال الفترة 2000-2018، في حين تتعدى تلك النسبة أكثر من 24% على مستوى الدول المتقدمة خلال نفس الفترة، ومن جانب آخر فإنه يلاحظ تزايد الأهمية النسبية للضرائب غير المباشرة مقارنة بالضرائب المباشرة، حيث تتجاوز الأهمية النسبية للضرائب غير المباشرة بحوالي 67% من إجمالي الإيرادات الضريبية خلال الفترة 2013-2018، كما تشكل ضمن ذلك الإيرادات الضريبية على السلع والخدمات حوالي 41% من إجمالي الإيرادات الضريبية خلال الفترة 2013-2018، وهذا ما يشكل خلال هيكليا في تركيبة إجمالي الإيرادات الضريبية على مستوى الدول العربية، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار تدني مساهمة الإيرادات الضريبية المرتبطة بالقطاع المالي بشقيها المباشرة وغير المباشرة مقارنة بمساهمة الأنشطة غير المالية ضمن إجمالي الإيرادات الضريبية، فمثلا على ضوء الأرقام الصادرة ضمن منشورات صندوق النقد العربي، فإن مساهمة القطاع المالي ضمن إجمالي الإيرادات الضريبية قد بلغت في المتوسط خلال الفترة 2016 – 2018 نحو0,3 % في الجزائر، و 1,8 % في الكويت، و3,2 % في مصر، ونحو 7,2 % في السودان، وهي تعد مساهمة محدودة جدا ولا تعكس في كل الأحوال الأهمية النسبية للقطاع المالي من حيث حجم أصوله وقيمة أرباحه مقارنة مع قطاعات اقتصادية أخرى، وذلك على الرغم من وجود توجه عام على مستوى الدول العربية لتطبيق الضريبة على أوسع نطاق للخدمات المالية، حيث تتعدد أنواع الضرائب المطبقة فيها من حيث طبيعتها كضرائب مباشرة وغير مباشرة، أو من حيث معدلاتها، كما توجد دول هناك دول لا يطبق فيها حاليا أية ضرائب غير مباشرة على الخدمات المالية، بالمقابل تعد الجزائر من بين الدول التي تخضع عددا من الخدمات المالية إلى الرسم على القيمة المضافة، وذلك إضافة إلى ضرائب ورسوم أخرى تخضع لها المؤسسات المالية من حيث أرباحها المحققة في مجال عملها.

وعلى ضوء ما سبق، وفي إطار الممارسات الدولية المكتسبة في مجال محاولات فرض المزيد من الضرائب على الخدمات المالية بمختلف مجالاتها وصيغها، فإن التجارب التطبيقية تؤكد على أن فرض الضرائب على الخدمات المالية قد تواجهه العديد من الصعوبات الفنية والتحديات الهامة من حيث الناحية التطبيقية، لاسيما منها تلك التحديات المرتبطة أساسا بطبيعة الخدمات المالية والمنتجات المتنوعة التي تتيحها الأسواق المالية، وكذا درجة تعقد خصائصها على ضوء سياسات الابتكار والتطوير والهندسة المالية المتبعة في هذا المجال، وهو ما يصعب مثلا من كيفيات حساب الأساس الخاضع للضريبة، وذلك بالإضافة إلى التحديات المرتبطة أيضا بالمخاوف ذات الصلة بمدى تحقيق المعاملة الضريبية الملائمة وما قد يترتب عنها من تحديات أخرى تتعلق بمدى تنافسية نشاطات قطاع الخدمات المالية بشكل عام، وكذا من حيث انعكاسات الضريبة في حد ذاتها على نشاط مختلف مؤسسات القطاع المالي.

وفي الأخير، وعلى الرغم من التحديات والصعوبات الفنية المشار إليها سابقا، فإن تعزيز مساهمة القطاع المالي بمختلف مؤسساته في تحسين مستويات الإيرادات الضريبية في الجزائر يعد مجالا واعدا ضمن التوجه العام نحو توسيع القاعدة الضريبية ضمن سياسات الإصلاح للنظام الجبائي في الجزائر.

الدكتور عبد الحكيم عمران/ كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا