النقود الرقمية وضرورة التحول إلى المجتمع غير النقدي

0
178

أسفرت التكنولوجيات المالية الحديثة عن تطورات هامة غيرت الكثير من الجوانب التقليدية على مستوى المجتمعات من حيث سلوكياتها وممارساتها التطبيقية، لا سيما ضمن المجالات المتعلقة باستخدام النقود وحركيتها، وهو ما استدعى من الدول ضرورة اتخاذ خطوات سريعة نحو الاستغناء عن النقود (أي النقود القانونية في بعدها التقليدي) في مجتمع يوصف بأنه مجتمع غير نقدي أسفرت فيه التكنولوجيات المالية الحديثة عن وسائط جديدة للمدفوعات ونظرية نقدية جديدة.

وعلى ضوء تلك التطورات الهامة، فإن من الآثار الهامة للتكنولوجيات المالية الحديثة على مستوى المجتمعات الحالية، هو أن المدفوعات الافتراضية تعمل بشكل سريع على إزاحة المدفوعات النقدية في ظل تراجع الطلب على النقود بما قد يزيد عن 50% في السنوات الأخيرة بسبب اعتماد عدد متزايد من الأفراد على بطاقات الخصم أو تطبيقات الهاتف المحمول التي تتيح إجراء عمليات دفع فورية بين الأفراد. وفي هذا الإطار تشير الدراسات إلى أن سبعة من كل عشرة مستهلكين إلى إمكانية تسيير أمورهم بدون النقود، في حين يتوقع نصف عدد التجار التوقف عن قبول النقود بحلول عام 2025. ويختلف حجم هذه الآثار المترتبة عن التوسع في استخدام التكنولوجيات المالية الحديثة من مكان إلى آخر، فقد لوحظ أن عددا قليلا من البنوك الأوروبية تستخدم النقد في فروعها، ولم يعد ما يزيد على نصف جميع فروع البنوك في السويد يتعامل بالنقود.

ومن التحولات الهامة التي أفرزتها التطورات في مجال التكنولوجيات المالية الحديثة، هو التغيير في سياسات سك النقود(سك العملة)، ويجدر بنا الإشارة في هذا المجال إلى أن الهند مثلا قد ألغت في الآونة الأخيرة  86% من أوراقها النقدية، وتعتزم دولا أخرى وقف سك العملات المعدنية بسبب أن التكاليف العالية لسك العملة قد تتجاوز قيمتها الاسمية في العديد من الحالات، ولكن من جانب آخر، وعلى الصعيد العالمي، لا يزال أكثر من 85% من جميع المدفوعات يتم نقدا، ففي الاقتصاديات المتقدمة مثل النمسا وألمانيا وسويسرا وسنغافورة لا يزال النقد هو الأساس، وعلى ضوء ذلك يبرز بدون الشك التساؤل عن الدور المستقبلي للبنوك المركزية ضمن إدارة عرض النقود، وهل ستكون هناك حاجة للبنوك المركزية بوصفها جهة الإصدار النقدي على مستوى الدول؟، وماذا سيعني مصطلح النقود القانونية في مجتمع بلا نقود؟، إذا أخذنا بعين الاعتبار التطورات السريعة لتكنولوجيا سلسلة التجميع(Blockchain) التي تشكل أساس العملات المشفرة (Cryptocurrencies) والتي أشهرها على الإطلاق إلى حد ما عملة البيتكوين (Bitcoin).

 

وعلى ضوء ذلك، يطرح السؤال التالي:  هل سيتم التخلي على النقود الورقية في المجتمعات المتصلة بشبكات لا سلكية؟، نعتقد أن ما كتبه Kenneth Rogoff في كتابه الذي يحمل عنوان: لعنة النقد (The cusre of Cash) يحمل الكثير من الحجج التي تؤيد ضرورة التخلص من النقود الورقية، لأن الأضرار الاجتماعية للعملة الورقية تفوق فوائدها بكثير، كما سيكون لعمليات التخلص من العملات الورقية تأثيرات عديدة مرغوبة، منها الحد من التهرب الضريبي المرتبط بكميات كبيرة من النقود والأعمال التجارية غير الرسمية، والحد من المال الفاسد والأموال المتأتية من الأنشطة غير المشروعة، وكذا التجنب من الناحية المالية والاقتصادية للتكاليف العالية لسك العملات من طرف البنوك المركزية التي قد تتجاوز من خلالها القيمة الاسمية للورقة النقدية في حد ذاتها في العديد من الحالات.

وفي الأخير، وعلى ضوء تلك التطورات الهامة الناتجة عن التوسع في مجال استخدام التكنولوجيات المالية الحديثة، وما قد يرتبط بها من تحديات ومخاطر متوقعة، فإن البنوك المركزية بشكل عام، بما فيها بنك الجزائر بشكل خاص، مطالبة بدون شك ببذل المزيد من المجهودات الكفيلة بفهم الأسس الموضوعية والتقنية التي تدخل في إطار اهتمام تلك البنوك المركزية بتطوير العملات الرقمية الصادرة عنها مستقبلا ضمن الدور المتوقع منها مستقبلا ضمن مجتمعات توصف بأنها مجتمعات غير نقدية.

 

الدكتور عبد الحكيم عمران/  كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

 

 

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا