إنها مؤامرة محبوكة الخيوط ومدروسة الفصول تنفذ في الزمان و المكان المحدد لها قبل اربعة أيام فقط من إنعقاد قمة الحلف الأطلسي بمدريد وعلى مشارف الحدود الجنوبية لهذا الحلف. إنها ورقة العمل الإسبانية-المغربية المصادق عليها في الغرف المظلمة والهادفة إلى تشبيك الدسائس و الخبث المخابراتي المخزني – السانتشيزي ضد شعوب شمال إفريقيا.
مؤامرة في ظاهرها مجرد عملية معتادة للتصدي لمحاولة الهجرة نحو أوروبا أو هكذا يراد لها، لكن في عمقها هي عملية سياسية بامتياز، تعكس الرسائل الملغمة التي مافتئ بيدق الخارجية الإسباني «الباريس» يوجهها إلى دول أوروبا بأن « التهديدات يشكلها المحور الجنوبي » وأن على الحلف الأطلسي أن « يتجه أكثر فأكثر نحو الجنوب».
إن الحكومة الإسبانية التي تسير بسرعة مئتين في المئة نحو المجهول بعد أن إنقلب عليها الرأي الوطني الاسباني بكل مكوناته حتى من أقرب حلفائها، لم تجد بُدا من نهج أسلوب الإبتزاز والترهيب و لو على جثث و مآسي المئات من المهاجرين الأفارقة الأبرياء، إنه أسلوب أوصى به المخزن و أتقن فصوله « سانتشيز » الذي أثنى من بروكسيل على الأجهزة الأمنية المغربية ودورها في إنجاح الخطة المتفق عليها، فلا يمكن أن يتحرك 2000 مهاجر إفريقي في وقت واحد وفي اتجاه واحد لو لم يكن هناك تسهيل من المخزن كما هو الحال أثناء غزو 10000 مغربي لمدينة سبتة في 18 من ماي من السنة الماضية غير أن الفرق هنا هو أن هناك أمر دبر في الخفاء مع حكومة مدريد.
إن السياسة ليست فيها أخلاق على الأقل لدى الغرب، فالمجزرة التي أرتكبت في حق المهاجرين الأفارقة صبيحة يوم الخامس و العشرين جوان الجاري ورغم بشاعتها فإنها تدخل فقط لدى مدبريها في خانة « كبرها تهوان » وهي رسالة المراد بها تخويف شمال البحر الأبيض المتوسط من جنوبه ولإسبانيا في ذلك أهداف يمكن إدراكها و« للناتو» مآرب أخرى و هو الذي يتلقى الضربات في الشرق على حدود أوكرانيا و ينفخ اليوم في قِربة موريتانيا جنوبا التي اصطفت إلى جانبه في إدانته مؤخرا لروسيا الإتحادية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فلا غرابة أن يعلن مانويل الباريس يوم الأربعاء الماضي أن قمة « الناتو» التي ستنعقد في مدريد يومي 29 و 30 جوان الجاري -الذي ستحضرها موريتانيا- ستستضيف جلسة عمل على مستوى رؤساء الدول والحكومات تركز على التهديدات التي يشكلها المحور الجنوبي و أشار في مؤتمره الصحفي إلى أن هذه الجلسة ستتناول « الجبهة الجنوبية » في إشارة إلى شمال إفريقيا بالخصوص. إن الملاحظ في هذا التصريح أن مانويل الباريس استعمل كلمة« ستستضيف» القمة جلسة عمل، مما يوحي أنها لم تكن في جدول الأعمال أو أن هناك شكوك لدى الأوروبيين المنهكين في حرب شرق أوروبا في ما تدفع إليه اسبانيا و المغرب في اتجاه الجنوب، الشيء الذي يعطي الدلالة والمغزى الحقيقيين لمسرحية “هجوم» الأفارقة على حدود اسبانيا كما عرّفها بيدرو سانتشيز في تعقيبه على الحدث من بروكسيل.
إذا كانت ورقة العمل المتفق عليها في الظلام بين المملكتين الأسبانية و المغربية من بين ما تهدف إليه خلط الأوراق في المنطقة وتمطيط الحلف الأطلسي جنوبا هيمنة سياسية وسيطرة عسكرية واستحواذ إقتصاديا، ستكون إسبانيا سانتشيز هي المستفيد الأول بإعادة سيناريو 1975 حلف مدريد، الرباط، نواكشوط.
فلا غرابة إن شاهدنا اليوم مسرحية المهاجرين وغدا سنعيش مسرحية أخرى ربما هذه المرة ستكون إكتشاف عملية إرهابية مزعومة تستهدف قمة الناتو عناصرها من الساحل الأفريقي أو دول شمال إفريقيا ولكي تكتمل الصورة و يتم المشهد ستلعب اسبانيا على ورقة التهديد الطاقوي.
الهجرة – الإرهاب – الطاقة، ثلاثية خَلصت إليها عبقرية “بيدرو سانتشيز” بعد حَجته إلى المغرب بأنها الطريق الأقصر إلى تأليب دول الإتحاد الأوروبي وتهيجها ضد دول الجنوب خاصة ضد الخصمين الذين وقفا في وجه تحديه للقانون الدولي ولإلتزامات الدولة الإسبانية إزاء موضوع تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية: الجزائر وجبهة البوليساريو.
إن الحكومة الإسبانية ومهما كان الهدف من وراء هذه المسرحية البئيسة، مسؤولة بالدرجة الأولى عن مقتل أكثر من 35 مواطنا أفريقيا على حدودها أمام أعين أجهزتها الأمنية و التنكيل بمئات آخرين ولاشك أن التحقيقات إن تمت بنزاهة ستكشف ماخفى وهو أعظم وعلى شعوبنا والشعب الصحراوي خاصة أن تأخذ الحذر من ما هو قادم وأن تكون يقظة بما فيه الكفاية فالمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين.
بقلم: محمد فاضل محمد سالم