الملك وعقدة الصحراء الغربية

0
623

حنظلة هي قضية الصحراء الغربية، مرة كالعلقم، تحملها الحسن الثاني على مضض حتى فارق الحياة ولم يُحقق أمنيته بطي الملف. كان الحسن الثاني يزبد، يرغي، يتوعد و يهدد أية دولة أو منظمة تعاكس إحتلاله للصحراء الغربية، فقطع علاقاته مع العديد من البلدان وتخلى عن عضويته في منظمة الوحدة الإفريقية وشن حملة ضد كل من يساند الشعب الصحراوي والنتيجة هي إقتناع الحسن الثاني بنفسه – بعد ستة عشر سنة- من الحرب الضروس والمقاومة الشرسة بأن لا مخرج للعرش سالما بجلده غير الإنصياع إلى القانون الدولي والقرارات الأممية القاضية بإجراء استفتاء يختار من خلاله الصحراويون مستقبلهم.

اليوم يُطلعنا آخر ملوك العلويين في خطاب ما يسمى “ثورة الملك والشعب” أن ما يؤرقه وينغص عيشه ويكدر صفوة حياته هو مشكل الصحراء الغربية، لهذا لم يخطئ جلالته عندما قال :” هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، أي بدونها سيصبح أعمى طميس، في لغة السياسة أنه بدون الصحراء سيصبح المغرب لايساوي “بصلة” كما قال الإخواني بن كيران، إن العرش العلوي المهتري مصيره مرهون بهذه القضية.

إن الملك المتعب، المريض يطلب من العالم طوق النجاة لعرشه، بالدوس على القانون الدولي وعلى ميثاق وقرارات الأمم المتحدة فيما يخص الصحراء الغربية، إنه يلوح بالتهديد الذي يخفي التودد والتملق لدول بعينها يعتقد بأن كسب تأييدها سيطوي ملف الصحراء الغربية كما حاول يائسا قبله أبوه الحسن الثاني.

فكلام ” السادس” موجه بالخصوص إلى فرنسا التي يستعد رئيسها لزيارة الجزائر أواخر هذا الأسبوع مرفوقا بوفد هام للرفع من مستوى العلاقات الفرنسية الجزائرية إلى مستويات أفضل، خاصة أن الجزائر أصبحت لاعبا أساسيا في السياسة الطاقوية فيما يخص أوروبا التي تنتظر شتاءا صقعيّا أشهبا، كما تحولت الجزائر إلى قطب الرحى في المعادلة الدولية الجديدة المتجهة نحو عالم متعدد الأقطاب، ” هذه الزيارة ستساعد في تقوية العلاقات الثنائية في اتجاه المستقبل وتعزيز التعاون الفرنسي الجزائري في وجه التحديات الإقليمية” يلخص الرئيس إيمانويل ماكرون فحوى زيارته إلى العاصمة الجزائر.

إن “النظارة” التي يرى بها المخزن السلطاني العالم شوشت عليه الرؤية بحيث أصبح يرى دولة كبيرة مثل فرنسا، قزم بحجم جزر القمر، يمكن ممارسة الضغط عليها بل حتى تهديدها ويعتقد أنه بالإستقواء بالصهاينة واللوبيات الصهيونية في العالم يمكنه إرغام المجتمع الدولي على الإعتراف له بسيادة مزعومة على الصحراء الغربية ونسي “جلالته” أن دويلة إسرائيل فضلا عن هدفها في تدجين الشعب المغربي وسلخه عن نصرة فلسطين والقدس الشريف جعلت من المغرب قنطرة مرور والتغلغل في إفريقيا، الشيء الذي يعارض مصالح فرنسا ويدفع إلى تقليص وزنها أمام المنافسة الشرسة لدول أخرى مثل تركيا و الصين وروسيا وأمريكا التي توجهت في المدة الأخيرة بكل ثقلها إلى القارة السمراء لتدارك تأخرها.

إن الملك يدرك جيدا بأن ليس هذا هو الوقت الذي يُطلب من فرنسا تأييدها له في احتلال الصحراء الغربية علانية، بحيث العلاقات المغربية الفرنسية تمر بأسوء مرحلة تعرفها منذ أن تجرأ المخزن على التجسس على الحكومة والرئيس الفرنسيين من خلال التطبيق الإسرائيلي “بغاسوس”.

الأسبوع الماضي غادرت السفيرة الفرنسية الرباط بطريقة غير عادية مما وضع علامات استفهام كثيرة وفي الوقت نفسه لم ترد السفارة الفرنسية على طلب التأشيرات الى فرنسا للمئات من المغاربة بما فيهم الطلبة الدارسين في الجامعات الفرنسية كما رفضت التأشيرة لعدد من المسؤولين المروكيين الكبار، الشيء الذي سجلته الصحافة المخزنية باستغراب ودهشة، فضلا على أنه منذ مدة لم يزور مسؤول فرنسي المغرب ولا وزير مغربي فرنسا.

إن العشق الحميمي الذي ظل يجمع فرنسا بالمغرب يعرف منذ زمن فتورا وبرودة كان أقصى تجلياته عدم رغبة الرئيس ماكرون في مقابلة الملك المقيم بباريس منذ شهور فضلا عن عزوف الصحافة الفرنسية عن تبيض وجه المملكة المغربية كما دأبت على فعله.

والخلاصة أن الملك إما أصيب بعمى الألوان ومن خلال “نظارته الجديدة التي أصبح يرى بها العالم” أصبح لا يفرق بين التمرة والبعرة أو أنه أصيب بالخرف وعدم التركيز حتى يقول ما قاله يوم 20 أوت، أو ربما مستشاروه يريدون بهدلته والتقليل من شأنه خاصة أن الحرب داخل القصر الملكي بداء دخانها يترأى للعيان، وإما ظن “جلالته” أنه بهذا التودد والتملق المغلف بالتهديد المزيف لفرنسا سيجعل هذه الأخيرة لا تميل أكثر إلى الجزائر على حساب المغرب خاصة في ما يتعلق بالترتيبات الجيوسياسية في المنطقة وإحترام الشرعية الدولية بخصوص قضية الشعب الصحراوي.

إن عقدة الصحراء الغربية ستبقى تلاحق العرش الملكي وتنهش أوصال المملكة العلوية حتى إنهاء وجوده في المغرب وتخليص شعوب المنطقة من عدوانيته وتوسعه، اللهم إذا عاد النظام السلطاني إلى رشده وسلك سبيل الحكمة وتصحيح خطأه التاريخي بغزو وإحتلال الصحراء الغربية.

بقلم: محمد فاضل الهيط

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا