جهود المسلمين تسبق أفكار لوقا باشيليو بحوالي 700 عام على الأقل

المساهمة الفكرية للحضارة الإسلامية في مجال علم المحاسبة

0
1318

يُعد البحث في مجال الإسهامات الفكرية للحضارة الإسلامية في شتى المجالات من المواضيع الهامة التي لا تزال تلقى اهتماما واضحا من طرف الكثير من الباحثين، وذلك عبر التعمق بالدراسة والتحليل لإنجازات هذه الحضارة الإسلامية الراقية التي ربطت خلال فترة من تاريخ الإنسانية تلك الحضارات القديمة بالحضارات الحديثة عبر حلقة هامة من التاريخ  بكل تجلياتها وخصوصيتها المرتبطة بدينها الإسلامي، وقد تجسد ذلك الاهتمام بشكل واضح وجلي في العديد من المؤلفات والكتب التي خصصت لهذا المجال في محاولة من مؤلفيها للتصدي لتلك الهجمات التي طالما تحاول تشويه الحضارة الإسلامية واتهامها بالتخلف والجمود والعنف وربطها بكل ما هو سلبي قصد تهديم الأسس الفكرية والمبادئ الحضارية للأمة الإسلامية الكفيلة بإعادة بعث الأمة الإسلامية وإحياء مشروعها الحضاري.

وعلى ضوء ذلك، يعد كتاب فقه المحاسبة الإسلامية لصاحبه الدكتور سامي مظهر قنطقجي واحد من الكتب التي تضمنت إشارات هامة تلقي الضوء على المساهمات الفكرية للحضارة الإسلامية في مجال علم المحاسبة. ونشير في هذا الإطار إلى إن كتاب فقه المحاسبة الإسلامية هذا يعد في أصله رسالة أكاديمية قدمت من طرف الباحث سامي مظهر قنطقجي لنيل درجة الدكتوراه في المحاسبة، وقد تم نشره من طرف مؤسسة الرسالة ناشرون، ويضم الكتاب في طياته ثلاث فصول، بحيث خصص الفصل الأول لعرض الحضارة الإسلامية ودورها في تطوير العلوم، أما الفصل الثاني فقد خصص لمنهج المحاسبة في الفقه الإسلامي، أما الفصل الثالث فقد خصص لعرض مفاهيم المحاسبة في الفقه الإسلامي.

ويلاحظ مما سبق، أن مؤلف الكتاب قد ركز ضمن أهداف إعداده لهذا الكتاب على هدف أساسي يعنى بالعمل على إعادة تصحيح التاريخ المحاسبي من خلال إبراز الكنز المفقود للعلماء المسلمين ودورهم الفعال في مجال علم المحاسبة ونظرياتها التطبيقية، ويشير الدكتور سامي مظهر قنطقجي في هذا المجال إلى أنه “بدلا من ذكر بداية التأريخ من الإيطالي لوقا باشيليو علينا أن نتذكر  القلقشندي والنويري والغزالي وأبا جعفر الدمشقي والماوردي والخوارزمي وغيرهم كثير من أعلام المسلمين الذين سطروا المحاسبة فكرا وتطبيقا منذ عام 900 ميلادي تقريبا، أي قبل لوقا باشيليو بــــ 700 عام على الأقل. وبالتالي الرد على اتهام الغرب للمسلمين عامة والعرب خاصة بالتخلف الاقتصادي والمحاسبي وضرورة انصياعهم للمعايير  والمبادئ التي تحددها مؤسساتهم وجمعياتهم المهنية. لذلك فإن التدوين الذي جاء به لوقا باشيليو قد سبقته تطورات محاسبية لا يمكن تجاهلها”.

وفي السياق ذاته، يشير مؤلف الكتاب إلى مبدأ” القيد المزدوج الذي أشار إليه لوقا باشيلو في تأريخ المحاسبة فيه ظلم وتشويه للتاريخ، فالفقهاء والعلماء المسلمون عالجوا المحاسبة ليس إشارة فحسب إنما كعلم وكممارسة، من أمثال أبي يوسف(799 م)، ومحمد بن الحسن الشيباني(805 م)، وغيرهم من الأعلام فالنويري ألف أول مرجع محاسبي متكامل في التاريخ الإنساني، وفي ذلك قال: “لم أقف على كتاب في فنها مصنف ولا انتهيت إلى فصل مترجم بها أو مؤلف، ولا لمحت في ذلك إشارة ولا سمعت من لخص فيها عبارة ولا من تفوه ببنت شفة ولسان ولا من صرف ببيان بلاغته في ميادينها العنان”.

وقد أسهب مؤلف الكتاب في تفصيل بعض أسس المحاسبة على ضوء ما كتبه شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري في كتابه المعنون بـ: كتابة الإنشاء، لا سيما منها تلك الأفكار التي أوردها فيما يتعلق دفتر اليومية أو تعليق المياومة وهو أساس المحاسبة وأساسها الذي تبنى عليه التسجيلات المحاسبية للأحداث الاقتصادية والمالية، وكذا ما يتعلق بدفتر الأستاذ الذي وصفه النويري وصفا دقيقا وعبر فيه عن تقابل الحسابات بوضعهما في الميمنة والميسرة، وذلك بقوله: ” وصورة وضعه أن يرصع المحضر(طرف من) أو المجرى(طرف إلى ) عن يمنة القائمة ويخصم عن يسرتها قبالة المجرى”.

في الأخير، وتأسيسا على ما سبق، فإن كتاب فقه المحاسبة الإسلامية لمؤلفه الدكتور سامي مظهر قنطقجي يعد كتابا جديرا بالإطلاع عليه من طرف كل المهتمين بمجالات المحاسبة والعلوم المالية، ذلك أن ما أوردناه أعلاه ما هو إلا جزء بسيط من مضمون الكتاب، لا سيما وأنه يتضمن العديد من الأفكار المحاسبية التي أشار إليها الكثير من العلماء المسلمين التي تشكل إلى حد ما أفكار محاسبية متطورة بالنسبة لما هو معمول به اليوم. وعلى ضوء ذلك نستذكر مقولة جوستاف لوبون وهو يدلي بشهادته عن الحضارة الإسلامية بقوله إن ” حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوروبية الوحشية في عالم الإنسانية، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها موردا علميا سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادة وعقلا وأخلاقا، والتاريخ لا أمة أنتجت مما أنتجوه”.

الدكتور عبد الحكيم عمران/  كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا