الصحراء…من أرض جرداء إلى سلة غذاء

0
112
تعاظم دور ولايات الجنوب في الإنتاج الزراعي خلال السنوات الأخيرة، مدعومة بأكبر مشروعين زراعيين بشراكة أجنبية، ما يؤشر إلى تحول الصحراء التي كانت توصف بـ”الجرداء القاحلة” إلى “سلة غذاء للبلاد”.
ووفق بيانات رسمية كشف عنها الرئيس عبد المجيد تبون، فإن القطاع الفلاحي (الزراعي) يساهم بنحو 35 مليار دولار في الناتج الداخلي الإجمالي (الخام) للبلاد، ما يمثل 13 بالمئة.
ورغم بروز أقطاب زراعية بولايات جنوبية، تضاف إلى إنتاج محافظات الشمال، إلا أن الجزائر ما زالت تستورد عديد المنتجات على غرار القمح بنوعيه (الصلب واللين) والحليب المجفف.
وعانى الإنتاج الزراعي وخصوصا الحبوب، شمالي البلاد، من أزمة جفاف غير مسبوقة على مدار السنوات الماضية، بالنظر لاعتماد الجزائر على الزراعات المطرية في الغالب، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وفي 24 أفريل الماضي، وقعت الحكومة على اتفاق مع شركة “بلدنا” القطرية لتنفيذ مشروع جنوبي البلاد لإنتاج الحليب المجفف لأول مرة.
وأشار وزير الفلاحة والتنمية الريفية يوسف شرفة حينها، إلى أن المشروع سيكلف 3.5 مليارات دولار، بشراكة بين الصندوق الوطني للاستثمار، وشركة بلدنا القطرية.
ولفت شرفة إلى أن المشروع يمتد على مساحة 117 ألف هكتار (الهكتار = 10 آلاف متر مربع) بولاية أدرار، لإنتاج 50 بالمئة من حاجيات البلاد من الحليب المجفف، واستحداث 5 آلاف وظيفة.
ومن المنتظر أن يبدأ إنتاج الحليب في آفاق 2026، وسيضم مزارع لتربية الأبقار وإنتاج الحبوب والأعلاف والحليب واللحوم، ومصنع للحليب المجفف.
ويحوز الطرف القطري ممثلا بشركة بلدنا على نسبة 51 بالمئة من أسهم الشركة المختلطة، مقابل 49 بالمئة للحكومة.
من جهته، صرح رئيس مجلس إدارة شركة بلدنا القطرية، محمد معتز الخياط، أن المشروع في الجزائر هو الأكبر من نوعه للشركة في العالم، لإنتاج 194 ألف طن من الحليب المجفف المحلي.
وأشار إلى أن المشروع سينطلق بمزرعة أولى تضم 50 ألف بقرة حلوب، على أن يصل عددها إلى 270 ألفا في السنة التاسعة، لإنتاج 1.7 مليار لتر من الحليب سنويا، و194 ألف طن من مسحوق الحليب.
وتستورد الجزائر نحو 1.3 مليار دولار سنويا من مسحوق الحليب المجفف، قي ظل عدم قدرة الإنتاج المحلي على تلبية حاجيات البلاد.
وقبل أيام كشفت صحيفة “الشروق”، بحسب الاناضول، أن السلطات وافقت على منح 36 ألف هكتار بولايتي تقرت وأدرار، لشركة “بونيفيكي فيراريزي” الإيطالية، المدرجة في بورصة ميلانو، لإنتاج القمح والبذور.
ووصف المصدر ذاته أن الاتفاق يتعلق بثاني أكبر مشروع زراعي يقام بشراكة أجنبية في تاريخ البلاد، وسينتج القمح والبذور وفق تكنولوجيات حديثة.
وينتظر التوقيع على الاتفاق مع الطرف الايطالي في غضون الأسابيع القادمة، على أن يبدأ تنفيذ المشروع الخريف المقبل.
ومنذ سنوات، تتابع الأناضول، برزت أقطاب إنتاجية بصحراء الجزائر على غرار ولايات وادي سوف، وبسكرة وتقرت والمنيعة وغرداية وأدرار.
وصار الزائر جوا لولايات الجنوب يشاهد بقعا خضراء دائرية منتشرة على مد البصر على غرار وادي سوف وبسكرة، وهي عبارة عن محيطات زراعية مسقية بالرش، بفضل توفر المياه الجوفية.
ووفق تقديرات حديثة لوزارة الري، فإن المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا تمتد على ما يزيد عن مليون كلم مربع، يوجد أغلبها في الجزائر.
وتشير التقديرات ذاتها إلى أن المنطقة المشتركة تتوفر على 60 ألف مليار متر مكعب من المياه الجوفية، منها نحو 40 ألف على التراب الجزائري.
وتقول السلطات إن البلاد حققت اكتفاء في عديد الخضر والفواكه على غرار البطاطس والثوم والبصل والطماطم، بفضل إنتاج الخريف والشتاء والربيع بجنوب البلاد، ومحاصيل الربيع والصيف بولايات الشمال.
وإضافة لإنتاج التمور، انضمت الصحراء إلى قائمة منتجي عديد الفواكه على غرار البطيخ والرمان والزيتون والعنب بمختلف أنواعه.
وتوجه اهتمام السلطات منذ عدة سنوات، نحو إنتاج الحبوب وخصوصا القمح بنوعيه الصلب واللين، بولايات الجنوب في ظل توفر المياه الجوفية بكميات هائلة.
وأظهرت صور بثها التلفزيون منذ مطلع ماي الجاري، عمليات حصاد ضخمة في محيطات فلاحية شاسعة على مد البصر بولايات أدرار والمنيعة وتقرت وورقلة.
ووفر الديوان الوطني المهني للحبوب العشرات من الآلات الحاصدة لضمان حصاد الغلال في وقتها، ومئات الشاحنات الكبيرة لنقل المحصول إلى المخازن.
ووصل إنتاج الهكتار بولاية وادي سوف 120 قنطارا من القمح في حملة الحصاد لشهر ماي 2024، وهو رقم قياسي بحسب فيديو لفلاح جرى تداوله على نطاق واسع على المنصات الاجتماعية.
وعموما يتوقع ديوان الحبوب بلوغ إنتاج البلاد الإجمالي من القمح (حصاد الجنوب والشمال) أكثر من 7 ملايين طن، وهو رقم لم يتحقق منذ 2018.
وتستهلك الجزائر ما بين 9 إلى 12 مليون طن سنويا من القمح بنوعيه (اللين والصلب)، غالبيته مستورد من الخارج.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المخصصة للحبوب في الجزائر أكثر من 3.3 ملايين هكتار، حسب بيانات وزارة الفلاحة، منها 450 ألفا فقط مسقية.
وينتشر استهلاك القمح اللين بشكل كبير في الجزائر، إذ يستعمل الطحين في إنتاج رغيف الخبز في جل مخابز البلاد، بينما يستخدم طحين القمح الصلب (السميد) لدى العائلات في صناعة رغيف الخبز التقليدي خصوصا.
في هذا السياق، يرى الإعلامي المتخصص في الشؤون الزراعية وصاحب منصة الفلاحة نيوز، أحمد زقاري، أن الصحراء تشهد منذ سنوات نهضة وثورة زراعية كبرى لعدة أسباب.
ويشرح زقاري في حديث لـ “الأناضول”، أن الجنوب الجزائري شهد في السنوات الأخيرة إطلاق استثمارات كبرى في هذا القطاع مع اهتمام وتوجه كبير نحو استغلال مقدرات الصحراء من حيث جودة التربة وتوفر المياه من بسكرة شمالا إلى عين قزام بأقصى حدود البلاد الجنوبية، ما أدى لظهور أقطاب زراعية كبيرة جدا.
وشدد زقاري على أن هذا القطاع، صار يحظى باهتمام من السلطات العمومية وفيه اهتمام شخصي من طرف رئيس الجمهورية.
وقال: “الفلاح الذي كان يرى نفسه الحلقة الأضعف في المنظومة الاقتصادية للبلاد، أصبح هو الحلقة الأهم والرقم واحد والذي يحضر دائما في خطابات رئيس البلاد”.
من جهته يعتقد منيب أوبيري، وهو رئيس الاتحاد الجزائري للمهندسين الزراعيين، أن تطور الزراعة بالصحراء أخذ فعلا منحى تصاعديا منذ عدة سنوات، مشددا على أن المواصلة على هذا النهج سيجعل الجزائر سلة غذاء للقارة الإفريقية.
وأوضح اوبيري في حديث مع الأناضول، أن عديد المستثمرين الأجانب والمحليين استبشروا خيرا بقانون الاستثمار الجديد، الذي تضمن تحفيزات وضمانات عديدة من حيث التشجيع على إطلاق المشاريع في هذا القطاع وخاصة الحبوب والزراعات الزيتية والسكريات مثل البنجر السكري.
وعلق قائلا: “اليوم نشهد منحى تصاعديا وتوسعا في رقعة الاستغلال في المناطق الصحراوية للزراعات الاستراتيجية، وحتى من طرف شركات أجنبية بتحقيق أرقام باهرة، من حيث المردود بالنسبة للحبوب الذي تجاوز 80 قنطارا في الهكتار”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا