الدبلوماسية الجزائرية تنتعش وتحقق أهدافها دون ضجيج

0
523

عادت الدبلوماسية الجزائرية لتفرض كلمتها وتعزز تواجدها بكل القضايا المصيرية التي تشمل التواجد الجزائر بعد سنوات عجاف، كانت تراجعت فيها وتقوقعت على نفسها، فظن الجميع أن صوت الجزائر قد خفت.

فاجأت التحركات الحثيثة والكولسة المتواصلة المبنية على حسن الحوار والتواصل المبني على احترام أدبيات النقاش الدولي الجميع، وهم يرون الأشقاء الفرقاء الفلسطينيين يوقعون اتفاق “إعلان الجزائر” غرة نوفمبر الفارط، خلال القمة العربية، التي جمعت كل العرب وجعلت القضية الفلسطينية محور اللقاء، وطرح المشاكل واقتراح حلول للعراقيل التي تثني الدول العربية عن التعاون والتوحد والاتحاد، وتمنع شعوبها من التواصل بسهولة والتعامل والتبادل الخدماتي والاقتصادي وحتى السياحي، وضرورة دعم بعضها وإسنادها حتى لا تنهار مثلما دعا إليه لبنان المتهالك وليبيا المنهكة وتونس المتعبة بسبب المشاكل الداخلية التي تعانيها.

نجاح الجزائر في تنظيمها للقمة العربية لم يأت من فراغ، بل كان نتيجة لجهد دبلوماسي كبير، قامت به منذ مجيء رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون” إلى سدة الحكم في ديسمبر 2019، حين بدأ يحرك خيوط اللعبة الدبلوماسية مع كل الأطراف العربية، انطلاقا من تحييد المشاكل وسوء الفهم الذي كان يخيم على علاقاتها الثنائية ببعض الأشقاء العرب، فعملت بحنكة وخبرة عالية بإشراف ومتابعة خاصة من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، جعلتها تتفوق على الأنانية وتنتصر للقضايا العربية، فنجحت في تقريب الرؤية الفلسطينية، ودفع فصائلها إلى إعلام وحدتهم وجعلهم يمضون على أكثر من 11 بند، ستواصل الجزائر سهرها لتنفيذه، إلى جانب سعيها لجعل فلسطين دولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة، ومحاسبة ومطالبة الكيان المحتل بتعويض الفلسطينيين عن كل الجرائم المرتكبة في حقهم بشريا وماديا.

لم تكتف الجزائر بالقضية الفلسطينية، بل سعت إلى رأب الصدع بين أثيوبيا ومصر، عبر محاولة جعل الحوار طريق التفاهم بين البلدين لحل مشكل سد النهضة، تجنبا لأي تصعيد قد تكون له عواقب وخيمة على البلدين والمنطقة ككل.

وتواصل الجزائر مساعيها الحثيثة لمساعدة الأشقاء الليبيين على إيجاد حل داخلي لمشاكلهم وإجراء إنتخابات يشارك فيها كل الليبيين دون استثناء، يكون الصوت الأعلى فيها للشعب الليبي دون أي تدخل خارجي مهما كان نوعه.

قوة الدبلوماسية الجزائرية ليست في كثرة الظهور الإعلامي والتداعي بالقوة، بل فيما تكتسيه من قوة على ضبط النفس وإتباع الأعراف الدولية دون أن تسيء إلى الآخرين، على غرار سياسة التجاهل التي تعتمدها إزاء الاستفزازات المتواصلة للمخزن، وتصرفاته الصبيانية والإجرامية أحيانا، فالجزائر لم ترد على المخزن بالسلاح لما اعتدى على جزائريين عزل بالقرب من الأراضي الموريتانية بطائرة مسيرة وأرداهم قتلى، بل دعت إلى فتح تحقيق لتحديد المسؤوليات، متجنبة أي تصعيد عسكري بالمنطقة، لأنها ترفض تطبيق مبدأ الانتقام والمعاملة بالمثل في قضايا تتعلق بالعنف والجرائم ضد الإنسانية، في وقت جلب المخزن وزير الكيان المحتل لفلسطين وجعله يهدد الجزائر من على أراضيه في سابقة عدوانية خطيرة، مبتعدة في كل مرة عن مستنقعات التصريحات القذرة التي يعتمدها المخزن ورجالاته وعملائه ومحاولة جره الجزائر دائرة الحرب التي يخوضها مع جبهة الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، في الوقت الذي تنأى الجزائر بنفسها عن المشكل وتدعو إلى الإذعان إلى قرارات الهيئات الدولية، في مقدمتها الأمم المتحدة الداعية إلى تطبيق مبدأ حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، هذا الأخير الذي من حقه إعلانه البقاء تحت الحكم الذاتي أو الإندماج في المجتمع المغربي أو الاستقلال التام عن المغرب وهو الخيار الذي يرفضه المغرب.

وفي هذا الشأن فالجزائر لم تعلن العنف ضد إسبانيا لما غير رئيس حكومتها خط بلده في القضية الصحراوية نحو خيار المغرب بالحكم الذاتي، بل طبقت الجزائر خياراتها بتقليص معاملتها الاقتصادية مع إسبانيا كونها المسؤول التاريخي عن القضية الصحراوية، كما قامت بوقف تدفق الغاز إلى أوروبا عبر إسبانيا مرورا بالمغرب وحرمانه من المعاملة التفاضلية التي كانت تحظى بها في مسألة الغاز، وحولت العملية إلى إيطاليا.

بينما غيرت الجزائر تعاملها مع فرنسا، فعززت مكانتها وشددت على ضمان مكانة الجزائر وتحقيق نتائج ترضيها وتخدم شعبها ودولتها في علاقاتها مع فرنسا، عبر إعادة صياغة عديد الاتفاقيات وجعل فائدة الجزائر أولوية في العلاقات، إلى جانب جعل ملف الذاكرة بين البلدين ملفا مستقلا تتابعه لجنة خاصة، تعمل على استعادة أرشيف الثورة المادي والمعنوي.

ورغم الاختلالات الحاصلة في العلاقات الدولية، والتغيرات المتواصلة، فالجزائر تعمل على ضبط البوصلة بما يخدمها كدولة، ويجعلها بعيدة عن الانحياز لأي قطب، بما يحفظ جودة العلاقات والابتعاد عن المضايقات من أي دولة، وهو ما أكسبها ود روسيا واحترام أمريكا والاتحاد الأوروبي. حيث تستقبل تباعا مسؤولين أمريكيين وأوروبيين وروسيين، وتتبادل معهم الزيارات، وتعمل على تقوية العلاقات الاقتصادية، وتواجدها الإقليمي، حتى لا تكون مغيبة في مختلف المحطات.

التواجد الواضح والقوي للجزائر بالعلاقات والقضايا الدولية والعربية، لم ينسها ضرورة إعادة هيكلة تواجدها إفريقيا وتعزيز دورها، حيث أصبحت كلمتها مسموعة بالاتحاد الإفريقي، وحضورها لا غنى عنه، لاسيما وأن تعزز ذلك بالتواجد الإقتصادي، من خلال تشجيع رجال الأعمال الجزائريين يدخلون سوق الاستثمار الإفريقية، وتسريعها للطريق الجزائرية الأفريقية، وفتحها لخطوط جوية بأعماق الداخل الإفريقي، واتجاهها إلى خيار “المقايضة التجارية” مع دول الساحل، وتحضيرها لهيئة رسمية تعنى بالعملية، تسهيلا للحركة التجارية.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا