الجزائر والأسواق المالية الدولية

0
849
الجزائر والأسواق المالية الدولية

تبنت الجزائر غداة الاستقلال مشروعا تنمويا ( الصناعات المصنعة ) قائم على الإستهلاك الواسع لرؤوس الأموال، وبما أن الإدخار الداخلي لم يكن كافيا لتمويل التنمية، لجأت الجزائر للأسواق المالية الدولية منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي.

إذا عرفنا سبب لجوء الجزائر للتمويل الخارجي، كان لزاما علينا معرفة كيفية تعامل الأسواق الدولية مع الجزائر.
بخلاف فترات زمنية طويلة، كانت الأسواق مفتوحة أمام الجزائر في تلك الفترة التي إحتاجت فيها الجزائر للرأسمال الأجنبي و الأغرب من ذلك، كانت تقرض الجزائر باسعار فائدة سلبية و التي ترتب عنها خسارة للمقرض وامتياز للمستقرض (الجزائر).

كيف؟

من المعلوم أن النقود على خلاف الأصول الفعلية كالذهب مثلا، لا قيمة حقيقية لها، بل قيمتها إعتبارية وبالتالي كل القروض تمنح بأسعار فائدة إيجابية، أي سعر الفائدة الأسمى أعلى من نسبة التضخم لكي يتسنى للمقرض التعويض عن الخسارة أي فقدان أو تراجع قيمة العملة مع مرور الوقت وبفعل التضخم ( إرتفاع الأسعار ). وبعبارة أخرى القيمة الفعلية (القدرة الشرائية) للعملة تتراجع وبالتالي يجب أن تكون أسعار الفائدة في مستوى أعلى من نسبة التضخم وهو ما يعبر عنه بأسعار الفائدة في مستوى أعلى من نسبة التضخم وهو ما يعبر عنه بأسعار فائدة إيجابية.

والتساؤل الذي يفرض نفسه هو التالي: لماذا أقرضت الأسواق المالية الدولية الجزائر في بداية السبعينيات من القرن الماضي بأسعار فائدة سلبية ( أسعار فائدة أدنى من نسبة التضخم ) وبالتالي تحمل خسارة؟
الجواب هو الإقتراض وفق هذه الشروط المخفية وبمبالغ (قيمة القرض) كبيرة كأن سبيلا متخذا من طرف الرأسمالية المالية الدولية لإغراق الجزائر في دوامة المديونية، ولقد نجحت في ذلك، إذ أن الجزائر أعلنت عن عدم قدرتها على الوفاء بديونها (التوقف عن الدفع) في 1994 رغم وفائها سابقا يأضعاف المبالغ التي أقرضتها.
صحيح أن شرط التمويل كانت مشجعة لكن المبالغ الكبيرة وعدم الإستثمار الأمثل لتلك الأموال جعلت الجزائر غير قادرة على الوفاء بديونها.

وبما أن الدول لا تخضع لمبدأ الإفلاس، تم إستحداث آلية إعادة الجدولة بعد بروز ظاهرة التوقف عن الدفع في 1982 ( البرازيل، المكسيك والأرجنتين). وإعادة الجدولة للديون هي عبارة عن إعادة ترتيب تقني لعقد القرض بحيث تمنح للمدين مهلة جديدة للوفاء مقبل تحمل أعباء متمثلة في تقييد جهة الدولة المدنية فيما يخص نفقاتها مع ضرورة تحديد أسعار الصرف والتجارة الخارجية.

ولعل هذا ما يفسر تردد السلطات العمومية أمام ظاهرة المديونية الخارجية رغم الوضع الصعب من الناحية المالية والإقتصادية التي تعاني منه الجزائر.

ويبقى السبب الرئيس لظاهرة المديونية هو عدم انسجام مشروع التنمية الصناعية مع الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للجزائر وكذلك عدم أخذ بعين الاعتبار الامكانيات المادية والبشرية والعلمية للجزائر في تلك الظروف التاريخية.

بقلم الدكتور: كمال موهوبي أستاذ محاضر بكلية الحقوق جامعة الجزائر -1-

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا