اختلفت مقاربات الدول للاستثمار بحسب الانتماء الإديولوجي-السياسي، والجزائر ليست استثناء من القاعدة، ولقد تولدت في الجزائر مقاربات عديدة ومتنوعة ابتداءا من اول قانون للاستثمار الصادؤر في 1966 الى غاية قانون الاستثمار الصادر في 1988 في سياق اصلاحات حكومة حمروش. هذه الفترة متميزة بكونها كانت مقيّدة بدستور 1976 الذي جعل من الملكية في المجال الاقتصادي غير حرة ومقيّدة ولهذا السبب تميزت قوانين الاستثمار الصادرة في 1982 و 1988 بالتحرير الجزئي لمسار الاستثمار مع إبقاء العديد من القطاعات (البنوك، شركات التأمين) خارج إطار الاستثمار الخاص.
عمّد دستور فيبراير 1989 على إلغاء القيود المذكورة سالفا بواسطة إدراج الملكية الخاصة تحت بند عنوانه الحريات والذي فُهم منه أن الملكية الخاصة احتسبت حرة.
الخطوة الثانية المتعلقة بتحرير النشاط الاقتصادي تزامنت مع صدور دستور 1996 الذي نصّ في مادته 37 على مبدأ حرية الصناعة والتجارة الذي يعد الأساس القانوني للنظام الاقتصادي الليبرالي والحر. من حيث التطبيق العملي لم يكن لهذا المبدأ الأثر الكبير بسبب خشية النظام البيروقراطي من فقدان هيمنته على المجتمع.
مقتضى المادة 37 هو انسحاب الدولة كفاعل اقتصادي والاكتفاء بالتأطير القانوني للنشاط الاستثماري والمنافسة التي من شأنها إفراز نخبة اقتصادية حقيقية في شكل برجوازية وطنية قادرة على رفع تحدي الاندماج الإيجابي ضمن التقسيم الدولي للعمل بحيث تكون للجزائر حصة في السوق الدولية.
لم يحدث هذا الآن إرادة الهيمنة ثابت أقوى من مستلزمات التنمية الوطنية في ظل الدستور الحالي، يحاول الجهاز التنفيذي الانتقال إلى مقاربة جديدة تتميز بقطعة إدكالية مع الأساليب السابقة في مجال تسيير الاستثمار. ولعلّ الدراسة المتجددة لمشروع قانون الاسثمار الجديد بمناسبة انعقاد مجلس الوزراء هي إشارة إلى نسبة الرئيس في التحرير الكامل للنشاط الاستثماري حيث يُكتفى فيه بمجرد الإعلان وهي بلا شك المقاربة الأنسب لإحداث القطيعة مع المقاربات السابقة القائمة على إخضاع عملية إنتاج الثروة (الاستثمار) الى الترخيص الصادر عن الجهاز البيروقراطي.
وبلا شك أن هذا التوجه الجديد ليس نابعا من الاختيار الإرادي للجهاز التنفيذي، بل هو الحل الوحيد الذي فرض نفسه لأن النظام الربيعي الذي كان إختيارا إستراتيجيا منذ بداية الاستقلال قد بلغ حدوده التاريخية، بل أصبح يشكل خطرا على المجتمع ومنظومة الحكم بعد أن ثبت بالدليل الحسابي أنّ مداخيل الربيع غير قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.
بقلم الدكتور: كمال موهوبي – أستاذ محاضر بكلية الحقوق. جامعة الجزائر -1-.