خصص التقرير الصادر عن مجلس المحاسبة لسنة 2021 جانبا يتعلق بموضوع الإعانات الممنوحة من طرف الجماعات المحلية (ولاية البيض وبعض بلدياتها) للجمعيات المحلية ضمن الفصل الثاني المتعلق بالجماعات المحلية، ويأتي إعداد هذا التقرير في إطار المهام الرقابية الممارسة من طرف مجلس المحاسبة بوصفه أعلى هيئة للرقابة البعدية لأموال الدولة والجماعات المحلية والمرافق والمؤسسات العمومية في الجزائر، وذلك قصد تشجيع الاستخدام القانوني والفعال للموارد والوسائل والأموال العمومية، وترقية إجبارية تقديم الحسابات والشفافية في تسيير المالية العمومية والمساهمة في تعزيز الوقاية ومحاربة جميع أشكال الغش والممارسات غير القانونية وغير الشرعية.
وفي هذا السياق، فإن اهتمام مجلس المحاسبة بموضوع الإعانات الممنوحة للجمعيات المحلية يعزى بدون شك إلى تزايد الأهمية الاسترتيجية لهذه الجمعيات من حيث تدخلاتها ضمن متطلبات تنفيذ السياسات العمومية للدولة، ذلك أن الجمعيات المحلية لها دورها الهام ضمن المجالات التي تأسست من أجلها بسبب علاقتها الجوارية مع أفراد المجتمع، لا سيما من جانب ضمان التنسيق مع مؤسسات الدولة ومصالحها المختلفة وهيئاتها المنتخبة في أي نشاط تبادر به السلطات العمومية من جهة، أو من حيث ما تقدمه الدولة من إعانات مختلفة قصد المساهمة في تمويل مختلف الأنشطة والبرامج التي تبادر بها تلك الجمعيات ضمن أهدافها الأساسية وبرامجها السنوية من جهة أخرى.
ومن أجل التحري في شروط منح واستعمال الإعانات المخصصة للجمعيات المحلية، فقد قام مجلس المحاسبة عبر مصالحه المتخصصة بالتدقيق والمراجعة لملف يتعلق بالإعانات الممنوحة من طرف ولاية البيض وبعض بلدياتها للجمعيات المحلية خلال الفترة 2016-2018، والتي استهدفت بشكل أساسي كلا من ولاية البيض، وعينة من البلديات التابعة لها، منها بلدية البيض، بلدية الأبيض سيدي الشيخ، بلدية بوقطب، بلدية بريزينة، بحيث تم اختيار تلك البلديات نظرا لأهمية وحجم الإعانات الممنوحة للجمعيات، والتي بلغ عددها 487 إعانة بمبلغ إجمالي يفوق 186 مليون دج خلال الفترة 2016-2018.
وعلى ضوء تقرير مجلس المحاسبة لسنة 2021، فقد كشفت المراقبة التي تم إجراؤها من طرف مصالح مجلس المحاسبة إلى أن العملية المرتبطة بتقييم إجراءات منح ورقابة استعمال الإعانات تكتنفها العديد من النقائص، لا سيما منها وأن الجهات المانحة لم تلتزم بدقة باتباع المراحل والإجراءات التنظيمية التي تسمح بالتأكد من الاستعمال المطابق للإعانات العمومية وفقا لعقود برامج تتناسب مع طبيعة الأهداف المسطرة من طرف الجمعيات، بحيث لوحظ بشكل خاص غياب الإعلانات الخاصة بتقديم طلبات الترشح للحصول على الإعانات الموجهة للجمعيات، وهو ما يقلص من مستويات الشفافية والمنافسة في التخصيص للإعانات، كما لوحظ وجود غياب لمداولات الهيئات المؤهلة الممثلة إما في المجلس الشعبي الولائي أو المجلس الشعبي البلدي ضمن عمليات منح الإعانات للجمعيات، حيث أشار تقرير مجلس المحاسبة على سبيل المثال إلى أن ولاية البيض قد منحت في سنة 2017 إعانات بقيمة تفوق 11مليون دج لمختلف الجمعيات دون مداولة للمجلس الشعبي الولائي، ودون دراسات مسبقة ودون إشهار، وهو ما يتنافي تماما مع المتطلبات التنظيمية المتعلقة بمنح الإعانات من طرف البلديات والولايات في هذا المجال، وذلك كله في غياب دفاتر شروط وعقود برامج تتعلق بصرف تلك الإعانات ومتابعة تنفيذها من طرف الجهات المانحة على ضوء النشاطات المبرمجة من طرف الجمعيات المستفيدة.
وفي السياق المتصل بجوانب التسيير المالي للجمعيات، فقد لوحظ على ضوء تقرير مجلس المحاسبة لسنة 2021 وجود نقائص هامة في هذا المجال، منها على سبيل المثال: العديد من الجمعيات لا تمسك سجلات محاسبية ودفاتر الجرد وسجلات الاشتراكات لضمان الشفافية في التسيير المالي، كما أن العديد من الجمعيات لا تتوفر على الدعائم الضرورية ضمن إدارة الجمعيات على غرار محاضر الاجتماعات، محاضر إقفال الصندوق في نهاية كل سنة مالية، محاضر التسليم والاستلام الممضاة من طرف الرئيس وأمين المال بمناسبة تجديد مكاتب الجمعيات، وهذا كله في وجود العديد من النفقات غير المبررة تماما بالوثائق الثبوتية التي تشهد بالإنفاق أو أداء الخدمة، لا سيما منها غياب الفواتير وسندات الطلب وغيرها من الوثائق الثبوتية الأخرى.
وفيما يتعلق بمجالات الرقابة والمتابعة لاستعمال الإعانات الممنوحة، فقد أسفرت الرقابة التي قامت بها مصالح مجلس المحاسبة إلى أن الجماعات المحلية المعنية لا تلتزم بشكل صارم بالمهام الموكلة لها في مجال الرقابة والمتابعة، حيث لوحظ وجود اختلالات ضمن إجراءات الرقابة الداخلية على مستوى الجهات المانحة بما يسمح بضمان المتابعة الجيدة والتقييم الدائم للإعانات على غرار وضع إجراءات مكتوبة وتأسيس لجان لدراسة ملفات الجمعيات واختيارها، وكذا تقييم استعمال الإعانات الممنوحة ومتابعة مجالات تخصيصها، كما لوحظ غياب الدور الرقابي للمجالس الشعبية المعنية في مجال تخصيص الإعانات الممنوحة، حيث أن هذه الأخيرة لا تحوز مثلا على أي تقارير تتعلق باستخدام الإعانات الممنوحة، ولا تستغل تقارير محافظي الحسابات للجمعيات قصد الإطلاع عليها، وذلك على الرغم من أن القوانين تلزم الجمعيات بإرسال تقاريرها السنوية الأدبية والمالية للسلطات المعنية بما فيها أمناء الخزينة للبلديات المعينة، وهذا كله في ظل غياب تام للمهام الرقابية من طرف الإدارة، مثل المفتشية العامة لولاية البيض أو مديرية الشباب والرياضة، حيث لوحظ على ضوء تقرير مجلس المحاسبة لسنة 2021 أن تلك الهيئات لم تبادر بأي مهمات رقابية تتعلق بموضوع الإعانات العمومية الممنوحة للجمعيات المحلية بغرض التأكد من حسن تنفيذها وفعالية النفقات المنجزة.
وبشكل عام، فقد أسفرت الرقابة الممارسة من طرف مصالح مجلس المحاسبة على ضوء تقرير سنة 2021، وبكل وضوح، غياب الصرامة في تطبيق الأحكام التنظيمية التي تنظم مجال منح الإعانات العمومية وغياب المتابعة فيما يتعلق بمجالات استخدامها على مستوى ولاية البيض والبلديات التابعة لها المعنية بالرقابة.
وفي ضوء ما سبق، ونظرا لأهمية النقائص الملاحظة والإختلالات المسجلة في مجال منح ومتابعة الإعانات العمومية الممنوحة للجمعيات على مستوى ولاية البيض وبلدياتها، فإن ذلك يستدعي من السلطات العمومية ضرورة تكثيف الجهود التي تسمح بضمان فعالية الإعانات العمومية الممنوحة للجمعيات عبر الاهتمام أكثر بالجوانب ذات العلاقة بالشفافية المالية والتسييرية للجمعيات من خلال إلزامها بمسك محاسبة توفر معلومات أكثر تفصيلا عن وضعيتها ومجالات عملها في إطار نظام محاسبي متكامل، كما يجب تعزيز الجوانب المتصلة بمنح الإعانات العمومية على مستوى الجهات المانحة عبر الإهتمام أكثر من الناحية القانونية والتنظيمية بضبط مجالاتها وشروطها وكيفيات منحها ومتابعة تخصيصها وفق مبادئ تراعي شفافية إجراءات منحها والاستفادة منها ضمن شروط الإشهار الواسع لها المرتبط بعقود برامج ونشاطات محددة بأهداف واضحة ذات الصلة بالمنفعة العامة يتم تنفيذها من طرف الجمعيات بمختلف أشكالها ضمن رؤية شاملة تجعل من هذه الجمعيات بمثابة جهات فاعلة في المجتمع الجزائري.
الدكتور عمران عبد الحكيم/ كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.