واقع القروض المدعمة الممنوحة للاستثمار المنتج في الجزائر على ضوء نتائج تقرير مجلس المحاسبة لسنة 2020

0
385
القروض

إن هذا التقرير السنوي الذي رفعه مجلس المحاسبة إلى السيد رئيس الجمهورية، وإلى رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول طبقا لأحكام الدستور، قد تضمن 17 مذكرة إدراج تحتوي على أهم النتائج المستخلصة من أشغال التدقيقات المنجزة تنفيذا للبرنامج السنوي للرقابة لسنة 2018، بحيث خصص الفصل الأول من التقرير لميزانية وإدارات الدولة، أما الفصل الثاني فقد خصص للجماعات الإقليمية، أما الفصل الثالث فقد خصص للمؤسسات والمرافق العمومية.

وفي سياق عرض بعض الجوانب المتصلة بمضمون هذا التقرير، فقد جاء موضوع: القروض المدعمة الممنوحة للاستثمار المنتج من طرف بنك الفلاحة والتنمية الريفية ضمن الفصل الثالث من تقرير مجلس المحاسبة لسنة 2020، والذي تضمن نتائج المهمة الرقابية لمجلس المحاسبة للاطلاع على حجم التمويلات البنكية المدعّمة للاستثمار المنتج الموجّهة من طرف بنك الفلاحة والتنمية الريفية إلى القطاع الفلاحي والمؤسسات المصغرة المحدثة في إطار أجهزة الدعم، وكذا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الأخرى والمؤسسات العمومية الاقتصادية، وعن ظروف تنفيذها خلال الفترة 2011-2017.

وعلى ضوء تلك المهمة الرقابية لمجلس المحاسبة، فإن من أهم النقاط المتصلة بموضوع القروض المدعمة الممنوحة للاستثمار المنتج من طرف بنك الفلاحة والتنمية الريفية، يمكن ذكرها كما يلي:
1. تدعيم نسب الفائدة أدى إلى زيادة الطلب على التمويل بشكل كبير من طرف المؤسسات: وقد تجسد ذلك من خلال ملاحظة الزيادة المعتبرة لمحفظة الالتزامات الخاصة بالبنك بمختلف أصنافها، بحيث تضاعف مبلغ الالتزامات الإجمالية للبنك خلال الفترة 2011-2017، لينتقل من مبلغ 313,10 مليار دج سنة 2011 إلى مبلغ 825,84 مليار دج سنة 2017، منها حوالي 583 مليار دج كقروض استثمارية بمختلف أصنافها (منها أكثر من 182 مليار دج قروض أجهزة الدعم الحكومية).

2. ارتفاع عدد المشاريع غير الناجحة: حيث لوحظ أن الزيادة في التمويلات الممنوحة من طرف البنك لم يصحبها من الناحية العملية نموا معتبرا في الاستثمار المنتج، وذلك نظرا لصعوبات التسديد التي تعترض التمويلات الممنوحة، مما أدى إلى ارتفاع عدد المشاريع غير الناجحة، خصوصا في ذلك القروض التي لا يرجع فيها القرار إلى هياكل البنك، مثل تلك القروض الممنوحة في إطار أجهزة الدعم الحكومية.

3. إسهام كبير للخزينة العمومية في تحمل الفوائد المدعمة المتعلقة بأجهزة الدعم: بحيث تحملت الخزينة العمومية في إطار تلك السياسة التمويلية مبلغا معتبرا، والذي وصلت قيمته إلى 28,84 مليار دج خلال الفترة 2011-2017، منها مبلغ 19,88 مليار دج بالنسبة لجهاز الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، ومبلغ 8,47 مليار دج بالنسبة للصندوق الوطني للتأمين عن البطالة.

4. ضعف حصة التمويل الممنوحة للفلاحين مقارنة بالقطاعات الأخرى: وذلك أن القروض الاستثمارية الممنوحة لمؤسسات القطاع العام وأجهزة الدعم مهيمنة على حساب الأنشطة الأخرى، لا سيما القطاع الفلاحي الذي يشهد حجما منخفضا من إجمالي التمويل، فعلي سبيل المثال تمت الإشارة إلى أن حجم القروض الممنوحة للقطاع الفلاحي بلغت 23,18 مليار دج في نهاية سنة 2014، في حين بلغت القروض الممنوحة لمؤسسات القطاع العام وأجهزة الدعم مبلغ 154,44 مليار دج، وهو ما يعني حقيقة عدم الاهتمام بتمويل المؤسسات الناشطة ضمن القطاع الفلاحي.

5. ارتفاع حجم مستحقات القروض المتعثرة: حيث لاحظ مجلس المحاسبة ارتفاع حجم المستحقات المتعثرة بداية من سنة 2015، وذلك بسبب تدني مستويات التحصيل للمستحقات، وقد أشار التقرير إلى أن البنك يعرف صعوبات في تحصيل القروض المدعمة الممنوحة، وهذا بسبب عدم جدوى المشاريع الممولة، فعلي سبيل المثال فقد بلغ عدد ملفات القروض غير المسددة (المشاريع غير الناجحة) 45 897 مشروع في نهاية سنة 2017 على مستوى مناطق الهضاب العليا، و26 822 مشروع على مستوى مناطق الشمال، و17 908 مشروع في مناطق الجنوب.

6. تسجيل نقائص في حوكمة وإدارة سياسة القروض المدعمة من طرف البنك: أشار تقرير مجلس المحاسبة لسنة 2020 إلى وجود العديد من مواطن الضعف ضمن الجوانب المتصلة بحوكمة وإدارة سياسة القروض، والتي منها عدم الاهتمام بتنويع عروض التمويل للمؤسسات، وكذا اللجؤ المحدود لآليات ضمان القروض في معالجة ملفات طلبات القروض، مع الملاحظة في نفس الوقت لتدني مستوى التعويض عن القروض المصرح بها لدى صناديق الضمان الخاصة بأجهزة الدعم، ويرجع ذلك، على الخصوص، إلى التباطؤ في إجراءات السداد بسبب مركزية قرار التعويض على مستوى إدارات صناديق الضمان من جهة، ومن جهة أخرى عدم احترام البنك للشروط التعاقدية الخاصة بآجال التغطية، كما أشار التقرير إلى التأخر الكبير من طرف إدارة البنك في إعداد الفواتير الخاصة بنسب الفوائد المدعمة، والذي قد يصل أحيانا إلى مدة 05 سنوات، وهذا ناهيك عن الأخطاء العديدة المرتبطة بعملية تحرير تلك الفواتير، وذلك لعدم توفر البنك على تطبيقات متخصصة في هذا المجال، وهو ما أدى إلى البنك للقيام بعدة تصحيحات، ويرجع سبب الأخطاء إلى استخدام الوسائل البسيطة في عملية إعداد الفواتير، وكذا عدم توفر المديرية المكلفة بالعملية على الموارد البشرية اللازمة لحسن سيرها. كما أشار التقرير إلى أن البنك لم يكن لديه رؤية واضحة لمخاطر القروض المرتبطة بأجهزة الدعم الحكومية، ولم يتخذ أي تدابير لإدارة ومراقبة هذا النوع من المخاطر، ويرجع سبب ذلك إلى جوانب الضعف في نظام الرقابة الداخلية لوظيفة القرض على مستوى البنك .

وعلى ضوء تلك الملاحظات وجوانب الضعف الهامة المشار إليها في إطار تقرير مجلس المحاسبة لسنة 2020، فإن هذه الوضعية غير المقبولة من الناحية المالية والاقتصادية على مستوى بنك الفلاحة والتنمية الريفية، وغيرها من البنوك الأخرى تستدعي من كل الأطراف ذات الصلة بموضوع القروض المدعمة الممنوحة للاستثمار المنتج في الجزائر إعادة النظر كليا في هذه السياسة التمويلية من خلال التقييم الشامل لها، والعمل على مراجعة الكثير من ضوابطها ونقاط الضعف فيها ضمن رؤية حقيقية تهدف من جهة إلى بعث الاستثمار المنتج الناجح المستدام، مع مراعاة جوانب الربحية والاستمرارية على مستوى البنوك الممولة من جهة أخرى، بدلا من الوضعية الحالية التي تعكس فشلا ذريعا لسياسة تمويل الاستثمار المنتج المرفوق بالتدخل المفرط للخزينة العمومية في هذا المجال.
الدكتور عبد الحكيم عمران/ كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا