الصحفي والباحث الأكاديمي، الأستاذ "جيلالي عباسة"، يصرح حول التضليل الإعلامي، لموقع "نيوز الجزائر":

“لِفريق خورخي الصهيوني مكتبين بالمغرب، وعلى الجزائر إنشاء وكالة لمكافحة التضليل”

0
2724
تشهد الساحة الإعلامية اليوم تدفقا غير عادي للمعلومات، التي أصبح من الصعب تمييز الصحيحة منها والزائفة، لاسيما في ظل التطور الرقمي الرهيب في وسائل التواصل الاجتماعي التي أثرت كثيرا على وسائل الإعلامية التقليدية.
ولمعرفة كيفية التعامل مع المادة الإعلامية المضللة التي أصبحت خطرا على الجمهور المتلقي، أجرى الموقع الإخباري “نيوز الجزائر”، هذا الحوار مع الصحفي بوكالة الأنباء الجزائرية سابقا والباحث الأكاديمي والأستاذ بجامعة وهران “جيلالي عباسة”، هذا فحواه:
انتشار المعلومات بسرعة وتداخل المصادر وتنوع وسائل بثها (وسائل إعلام رسمية ووسائط تواصل إجتماعي) يجعل تصديقها صعب. كيف يمكن التمييز بين الحقيقية والمزيفة؟
يعرف عصر الإعلام الرقمي انتشارا كثيرا وسريعا للمعلومات وتنامي لصناعة الأخبار الزائفة، مما نجم عنه انعكاسات وخيمة وكارثية، التي أضحت انشغالا حقيقيا لمختلف المجتمعات والدول. وهذا التدفق الكبير للمعلومات عبر مختلف الوسائط الاتصالية يجعل من الصعب على المتلقى التمييز بين الأخبار الصحيحة والزائفة.
 وتشكل وسائل الاتصال الرقمية بيئة مناسبة لنشر الأخبار الزائفة والقصص المفبركة وذلك بفضل الخصائص التي تميزها، ومنها أنها تعتبر أهم مصادر استقاء الأخبار، والوسيلة المفضلة للممارسات الاتصالية، حيث يشارك فيها 5,4 مليار شخص (مجتمع اتصالي).
كما تتميز هذه الوسيلة الاتصالية بالسرعة في انتقال الأخبار والتكلفة الرخيصة وتوفر الوسائل التقنية المتطورة للتزييف علاوة على عدم وجود رقابة فعالة.
وتنتشر الأخبار الكاذبة والمضللة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كثيف وأسرع بكثير من الأخبار الصحيحة ويتم تشاركها بنسب كبيرة بالمقارنة مع الاخبار الصحيحة.
وفي هذا الخصوص ذكرت “مجلة العلوم ساينس الولايات المتحدة الأمريكية” في عددها لشهر مارس 2018، أن خبرا صحيحا واحدا يتم مشاركته من قبل 1000 شخص، فيما خبرا كاذبا واحدا يتم مشاركته من قبل 100 ألف شخص.
وأرجعت دراسة أخرى في نفس السنة، أجراها “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، انتشار الأخبار الكاذبة بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى قدرة هذا النوع من الأخبار على خلق مشاعر الخوف أو الاندهاش الكبيرين لدى القراء والمتابعين، مما يضاعِف إقبال الناس على قراءتها ومشاركتها مع آخرين على شبكات التواصل الاجتماعي.
مع تطور تكنولوجيا الاتصال وبروز الذكاء الاصطناعي أصبح عالم المعلومة مخيفا، كيف يمكن التصدي لعمليات التضليل الإعلامي؟
يتم استخدام في عمليات التضليل برمجيات تسمى “سوسيال بوتس Social bots”، وهي برمجيات تتضمن آلاف الحسابات الوهمية وتسمح بالقيام بحوارات مع المستخدمين، علاوة على نشر التعليقات التي تخدم المحتوى، لأن المتتبعين ينخدعون بالتعاليق أكثر من المحتوى.
  كما ظهرت في السنوات الأخيرة المؤسسات المتخصصة في فبركة الأخبار الزائفة، مثل مؤسسة “فريق خورخي” التابع للكيان الصهيوني، الذي ينشر الأخبار الكاذبة لصالح زبائن من مختلف أنحاء العالم ثم تقوم بترويجها من خلال حسابات وهمية. حيث كان لديه قبل سنتين أزيد 46 ألف حسابا وهميا، تقوم بنشر وتكرار الخبر الواحد في نفس الوقت، الوضع يخادع المتابع ويعتقد أن “التكرار يعني أن الخبر صحيح”.
 وقد قام هذا الفريق المضلل بفتح السنة الماضية مكتبين له بالمغرب بكل من الرباط وأغادير وينشط باللغتين العربية والحسانية.
    ويمارس صناعة ونشر الاخبار الكاذبة ونشرها جهات مختلفة ولأغراض مختلفة منها الدول والمنظمات غير الحكومية المرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بالدول وكذا المؤسسات الإعلامية ومؤسسات خدمية تنشط في مجال نشر الأخبار الكاذبة وأشخاص عاديين عن قصد أو غير قصد.
صعوبة التمييز بين الأخبار الصحيحة والمفبركة
أحيانا يشارك بعض الأشخاص في نشر أخبار مضللة معتقدين أنها أخبار صحيحة لصعوبة التميز بين الأخبار الصحيحة والزائفة.
وتوصلت دراسة أنجزتها “جامعة واستمنستر” البريطانية في جانفي 2021 إلى أن 20% ممن قاموا بنشر أخبار اتضح فيما بعد أنها كاذبة.
  وحسب دراسة أخرى نشرها المركز الوطنى لمعلومات التقانة الحيوية (أمريكا) في فبراير 2023 حول الأخبار المتعلقة بكوفيد فإن 70% من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لا يستطيعون التمييز بين الأخبار الصحيحة والكاذبة.
ومعروف أن المتلقي الذي يسمع لأول مرة عن حادثة لا يرفضها وتوقظ لديه الفضول والجاذبية فيقوم بمشاركتها.
التطور المعلوماتي، لم يقتصر على نشر الإشاعات ولكنه أصبح مصدر تهديد للاستقرار الأمني، عبر مناهج التهييج النفسي وتجييش الشعوب. هل يمكن للأمن السيبراني أن يحد من هذه الظاهرة العابرة للدول؟
تتسبب الأخبار الزائفة في تسميم المناخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدول وتمس بالأمن المجتمعي والعقائدي، علاوة على تحطيم النفوس من الداخل والمعنويات ووضع الخصم في حالة معنوية تلحق به الهزيمة، علاوة على إشاعة الفتن والبلبلة مما يجعل المجتمع في حالة اللاتفكير.
  وفي ظل تطور تكنولوجيات الإعلام والاتصال وسيادة الإعلام الرقمي، أضحى التضليل الإعلامي منذ بداية الألفية الحالية أهم سلاح حروب الجيل الخامس أو ما يطلق عليها الحروب غير الحركية. فهو يستهدف خلق أزمات وضرب استقرار الدول من خلال خلق تناقضات بين السلطة والمجتمع والتشكيك في قيم المجتمع (الاقتتال الثقافي) والهجوم على الثقافة والمعتقدات الدينية والتركيز على الطائفية والعرقية لإثارة الفتن، علاوة على فرض ضغوط اقتصادية وسياسية لشل نهضة الدولة وهدمها من الداخل دون الحاجة إلى قوة عسكرية وبعد ذلك يتم فرض الإرادة الخارجية .
وحرب الجيل الخامس حرب تستهدف الإدراك أو حرب ذهنية تستخدم جيوش التضليل (الذباب الإلكتروني) وتعتمد على التوظيف المعلوماتي الموجه للتحكم في إدراك الجمهور وخلق حقائق وهمية وتوجيه الرأي العام حسب الخطط الموضوعة، فالجيل الجديد الذي يتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي المرجعية الأساسية في استقاء المعلومات يكون هدفا سهلا لجيوش التضليل.
ووسائل هذه الحرب تشمل وسائل الإعلام والهجمات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي وشبكة الانترنت، ولذلك فخدمات مواقع التواصل الاجتماعي تقدم بالمجان حتى تحقق الغايات المنتظرة منها.
       ولإضفاء الفعالية على التضليل الإعلامي يتم وضعه في إطار استراتيجي بأهداف محددة ومدروسة، تتحقق من خلال نشر معلومات وأخبار كاذبة أو غامضة قصدا لتوجيه الرأي العام وأيضا من خلال نشر معلومات ناقصة أو تحريف جزء منها أو تقديم معلومات غير دقيقة.
    في وضع الجزائر، ما هي الحلول أو الآليات التي تجعل هذه المنظومة الإعلامية تساير المعلوماتية المتطورة؟
 الجزائر تتعرض لحرب إعلامية تضليلية غير مسبوقة.
    تتعرض الجزائر منذ مدة إلى حرب إعلامية تضليلية غير مسبوقة، لاسيما من قبل إعلام اليمين المتطرف بفرنسا وإعلام المخزن.
    ويقوم الإعلام الفرنسي بالتضليل من خلال توظيف أخبار مزيفة، في إطار الأزمة الأخيرة التي بين البلدين، ولمواجهة جيوش التضليل يجب التفكير في إنشاء “وكالة متخصصة في مكافحة التضليل”، مهمتها كشف الحملات الإعلامية التي تتعرض لها الجزائر وفضح زيفها وتنوير الرأي العام الوطني بشأنها.
 كلمة أخيرة؟
شكرا وأتمنى لكم التوفيق.
حاوره: محمد فادي 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا