دخلت جولات مكافحة الفساد مرحلة جديدة تميزت بجر دفعة جديدة من الوزراء والمسؤولين للقضاء، لكن اللافت هذه المرة هو أن حرب الفساد لم تطل فقط رموز النظام السابق الذين أطاح بهم الحراك، بل مست وزيرا في حكومة ما بعد الحراك وبلغت أيضا أسماء هاربة من العدالة، وجاءت هذه التحركات الهامة تزامنا مع مواصلة استرجاع الأموال المنهوبة وتأميم أموال”العصابة”.
رياح محاربة الفساد تمتد إلى الخارج، وتوقعات بنشر فضائح عملاء تنذر الأيام القادمة بامتداد قائمة المحالين على جهاز العدالة، أو وضعهم رهن الحبس المؤقت من وزراء ومسؤولين جدد على علاقة بملفات فساد مطروحة على عدة محاكم، سواء أشرفوا على مشاريع ضخمة أو تصرفوا بشكل مشبوه في أموال عمومية، حيث مرت العدالة إلى السرعة القصوى في معاجلة دفعة جديدة من ملفات الفساد بعدما ظلت على مدار السنتين الأخريتين محصورة في الوزيرين أحمد اويحي وعبد المالك سلال، وكذا عدد من رجال الأعمال أمثال علي حداد عولمي طحكوت.
لكن المرحلة القادمة ستخرج “ملفات فساد جديدة” وتنشر غسيل عملاء حولوا مناصبهم لخدمة أجندات ومصالح أجنبية على غرار مدير مجمع سونطراك السابق ولد قدور علي. ويرتقب أن تشهد الأيام المقبلة تصاعدا في وتيرة استدعاء المتورطين في قضايا الفساد إلى العدالة وأن تضرب العدالة بيد من حديد هذه المرة الملاحقين بتهم الفساد حيث ما يزال النبش في ملفات الفساد وأسماء المتلاعبين بالمال العام متواصلا، ففي غضون 24 ساعة تم حبس وزيرين سابقين ويتعلق الأمر بوزير الموارد المائية السابق أرزقي براقي الذي أودع الحبس المؤقت، لمتابعته بتهم ذات صلة بالفساد خلال توليه منصب مديرا عاما للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات، بعد أن شغل “الوزير السابق” منصب مدير عام للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات من سنة 2015 الى غاية جانفي 2020 قبل أن يتولى حقيبة الموارد المائية لاحقا.
كما جرت التحقيقات الجارية مع رجل الأعمال محمد صحراوي الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان، طاهر خاوة، والذي أودع هو الآخر رهن الحبس المؤقت في سجن القليعة بشبهة التورط في قضايا فساد. كما نجحت السلطات في جر المدير العام السابق لشركة “سوناطراك” عبد المؤمن ولد قدور، لمتابعته قضائيا بالجزائر، بموجب مذكرة توقيف دولية صدرت في حقه بسبب متابعات قضائية لها علاقة بقضايا فساد. حيث ينتظر تسليمه من سلطات الإمارات العربية بعدما جرى توقيفه في 20 مارس الماضي بمطار دبي، بعد أن احتجزته شرطة المطار لوجود اسمه في النشرية الحمراء لـ”الانتربول.
بالموازاة مع ذلك تتقدم الجزائر شيئا فشيئا في اتجاه وضع يدها على الأموال المنهوبة من طرف العصابة أو محيط النظام السابق، وذلك تنفيذا لتعهدات الرئيس المتعلقة باسترجاع الأموال المنهوبة عبر الوسائل القانونية. وبعد أن كشف الرئيس عبد المجيد تبون في حواراته مع وسائل الإعلام عن استرجاع ما لا يقل عن 44 عقارا من بينها قصور وشقق في فرنسا ضمن عملية استرجاع الأموال المنهوبة والمحوّلة نحو الخارج أعلنت وزارة العدل، أمس عن استرجاع 6040 هكتار أي أكثر من 60 مليون متر مربع في غضون 3 أشهر ليصبح إجمالي الأراضي المسترجعة 8034 هكتار أي أكثر من 80 مليون متر مربع. واوضحت الوزارة أنه في إطار مكافحة الفساد، عرفت المحاكم الإدارية عبر التراب الوطني نشاطا تصاعديا. يرمي إلى وضع حد للجشع الذي أدى إلى الاستيلاء على الأملاك العقارية التابعة للدولة بدون وجه حق.
وبذلك يكون القضاء قد شرع بشكل فعلي في مصادرة ممتلكات عدد كبير من الوزراء السابقين، من بينهم أحمد أويحيى وعبد المالك سلال..ورجال الأعمال مثل علي حداد، حيث تم الشروع في عملية تأميم ممتلكات امبراطورية الفساد وتجسيد خطة استرجاع الأموال المنهوبة. ويأتي هذا التأميم ليجسد مرة أخرى تعهدات الرئيس عبد المجيد تبون على أرض الواقع، حيث كان استرجاع الأموال المنهوبة في طرف ما يسمى بالعصابة” أحد التزامته الإنتخابية،
وكان رئيس الجمهورية قد أعطى في حواراته الإعلامية شهر أفريل الماضي مؤشرات على تنفيذ قريب لهذا القرار، حيث صرح بأنه ملتزم بقراره لاستعادة هذه الأموال فور صدور الأحكام النهائية في حق المتورطين في قضايا الفساد مشيرا إلى أنه على دول الاتحاد الأوروبي مساعدة لمساعدة الجزائر في هذا المسعى، خصوصا أن بعض الشركات الأوروبية كانت متورطة في كثير من قضايا الفساد وتحويل الأموال الجزائرية واستثمارها في أوروبا.
محمد إسلام