بعض البدائل غير التقليدية لتمويل التنمية في الدول العربية على ضوء تقرير التنمية العربية لسنة 2021

0
124

لا يزال موضوع تمويل التنمية من المواضيع التي تعرف اهتماما متزايدا من طرف الباحثين والحكومات على حد السواء على ضوء التطورات التي تعرفها الأوضاع ذات العلاقة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على مستوى العديد من الدول، لا سيما منها بشكل خاص تلك التغيرات المرتبطة أساسا باقتصاديات الدول العربية (منها ما يتعلق بتنامي مديونيتها، عجز موازناتها المستديم، ارتفاع مؤشرات البطالة والفقر، تدني مستويات المعيشة لمواطنيها، ضعف مستويات تنافسيتها الاقتصادية،…إلخ)، وما قد يرتبط بها من تحديات مستقبلية هامة قد تعيق مقدرة تلك الحكومات على ضوء تلك الترتيبات الجديدة على القيام بوظائفها المتنوعة بالشكل المستدام الذي يتطلبه الدور الهام للدولة ضمن قضايا التنمية الهادفة إلى تحقيق تغيرات جوهرية على مستوى حياة الفرد بحيث “تصبح البلاد ورشة للعمل المثمر والقيام بالواجبات الباعثة إلى الحياة” على حد قول المفكر الجزائري مالك بن نبي عليه رحمة الله في كتابه شروط النهضة.

وقد برز على ضوء تلك التطورات والتحديات بعض البدائل غير التقليدية التي يمكن التعويل عليها في الفترات القادمة في تمويل متطلبات التنمية على مستوى اقتصاديات الدول العربية، وهذا على ضوء ما جاء ضمن أحد فصول تقرير التنمية العربية لسنة 2021 والذي حمل عنوان”مديونية الدول العربية: الواقع والمخاطر وسبل المواجهة”.

وفي هذا المجال، تعد آلية مبادلة الديون(مبادلة الديون بالملكية) من بين الآليات التي يوصى بها ضمن البدائل غير التقليدية لتمويل التنمية على مستوى الدول العربية، وهي تتعلق أساسا بالسماح للدائنين في مشاركة الدولة في ملكية بعض المشروعات وإدارتها على أسس تجارية سليمة، بحيث يتحول الدائن على ضوء ذلك إلى مستثمر يلمك حصة في شركة أو مشروع، أو يملك أسهما ما، وأهم ما يترتب عن هذه الآلية من منافع هو تخفيض حجم الدين وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وفي المقابل قد يترتب على هذه الآلية في شقها السلبي زيادة في التضخم وهيمنة الشركات الأجنبية في ظل مؤسسات وطنية رقابية ضعيفة الأداء. وقد تم في التجربة العملية محاولات لتطبيق هذه الآلية على مستوى العديد من الدول العربية في السنوات الأخيرة، لا سيما منها الجزائر والمغرب، تونس ومصر مع العديد من الشركاء الأوروبيين.

ومن جانب آخر، فإن الصكوك المالية الإسلامية تعد أيضا من الآليات التي يوصى بها كبديل تمويلي غير تقليدي لتمويل التنمية على مستوى الدول العربية، وتعرف الصكوك بأنها عملية تحويل لمجموعة من الأصول المدرة للدخل غير السائلة إلى صكوك قابلة للتداول مضمونة بهذه الأصول، ومن ثم بيعها في الأسواق المالية مع مراعاة ضوابط التداول في هذا المجال، ويرجع تزايد الاهتمام بالصكوك الإسلامية إلى عدة عوامل منها نجاحها دوليا على ضوء التطبيقات المعاصرة على مستوى العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، لا سيما منها التجربة الماليزية التي تجاوز فيها حجم إجمالي الإصدارات أكثر من 670 مليار دولار أمريكي خلال الفترة 2001-2018 متبوعة بالتجربة السعودية بــ: 117 مليار دولار أمريكي خلال نفس الفترة. وهو ما جعل من هذه الصكوك الإسلامية على ضوء تلك التجارب التطبيقية تعد بمثابة بديل يعول عليه في سبيل تلبية احتياجات الدولة لتمويل مشروعات البنى التحتية (مشروعات توليد الطاقة، مشروعات الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات، وغيرها من المشروعات الأخرى) على مستوى الكثير من الدول، خصوصا منها الدول العربية التي تتميز اقتصادياتها بتأثرها بتقلبات أسعار النفط والغاز.

إضافة إلى ما سبق، فإن عقود الشراكات بين القطاعين العام والخاص تعد أيضا من الآليات التمويلية غير التقليدية التي تعرف اهتماما متزايدا من طرف العديد من الدول والحكومات ضمن البحث عن مصادر حديثة لتمويل التنمية، وذلك باعتبار أن هذه العقود تعد من الأساليب الهامة التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة التحديات التي أفرزتها التغيرات الداخلية والخارجية على مستوى العديد من الدول، لا سيما منها ذلك العجز المالي عن القيام بتمويل الاستثمار في مشاريع البنى التحتية، إضافة إلى عدم الفعالية ونقص الكفاءة التسييرية المرتبطة بالتسيير العمومي. ويلاحظ على ضوء ما سبق أن العديد من الدول العربية قد أصدرت تشريعات وقوانين تضبط الإطار العام للشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلا أن حجم قيمة مشاريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص على مستوى الدول العربية لم يتطور بالشكل المأمول، حيث وصل فقط عدد صفقات مثل هذه العقود على مستوى الدول العربية قاطبة إلى 195 صفقة خلال الفترة 2000-2019، وذلك بالمقارنة مع أكثر من 2800 صفقة على مستوى دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي خلال نفس الفترة، متبوعة بأكثر من 2300 صفقة دول شرق آسيا والمحيط الهادئ. ومن جانب آخر فإنه يلاحظ تصدر المغرب للمشهد على مستوى الدول العربية ضمن تطبيقات عقود الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشروعات البنى التحتية بحوالي 21 مليار دولار أمريكي خلال الفترة 1995-2019، أما الجزائر فلم يتجاوز حجم مثل هذه العقود مبلغ 7 مليار دولار أمريكي خلال نفس الفترة، وذلك على الرغم من أهمية اللجوء إلى مثل هذه الآليات لمعالجة تداعيات تأثر الاقتصاد الجزائري بتراجع أسعار البترول خلال الخمس سنوات الأخيرة.

هذا وقد تشكل عملية إصدار ما يسمى بـــ: “سندات المهاجرين” آلية أخرى تضاف إلى تلك البدائل غير التقليدية لتمويل التنمية على مستوى الدول العربية، وذلك نظرا لحجم تحويلات المهاجرين نحو دولهم الأصلية، وبالتالي فإن التفكير في أفضل السبل لتحويل هذه الموارد المالية الهامة بالعملة الصعبة إلى أدوات مالية استثمارية من شأنها ضمان تمويل مشاريع استثمارية بعينها وبما يسمح بالانتقال الرسمي لتلك الموارد وتدفقها إلى بلدانها الأصلية بالشكل المنتظم والفعال ضمن بيئة استثمارية تتميز بالاستقرار والشفافية والملائمة للوصول إلى تحقيق مستويات هامة من الثقة بين المستثمرين المهاجرين والجهات الحكومية المشرفة على إصدار سندات المهاجرين. كما أشار تقرير التنمية العربية لسنة 2021 إلى أن التمويل الجماعي (Crowdfunding) يشكل أيضا آلية غير تقليدية لتمويل التنمية على مستوى الدول العربية، ويعرف التمويل الجماعي بأنه عملية حشد للموارد المالية لعدد كبير من الجمهور من أجل تقديم التمويل اللازم لمشروع ما عن طريق منصات للتمويل لها مواقع متخصصة على شبكة الأنترنات، كما يعتبر التمويل الجماعي من الأساليب المبتكرة أيضا في مجال التمويل والتخطيط للمشروعات العمومية من جهة أخرى. وقد عرف هذا النوع من التمويل تطورات ملحوظة خلال الفترة الأخيرة على المستوى الدولي، بحيث انتقـــل من مبلغ 1,5 مليار دولار أمــــريكي في عام 2011 إلى أكثر من 84 مليار دولار أمريكي مع نهاية عام 2018، وتتوقع بعض الدراسات أن يصل حجم هذا النوع من التمويل إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي مع نهاية عام 2025. وقد يعزى هذا التطور إلى التزايد في شعبية هذا النوع من التمويل على المستوى الدولي مرفوقا في ذلك بتزايد عدد منصات التمويل الجماعي على مستوى العديد من الدول، بما فيها بعض الدول العربية التي تأسست فيها بعض منصات التمويل الجماعي المتخصصة، ونشير هنا إلى أن تونس قد أصدرت قانونا يتعلق بالتمويل الجماعي، أما في الجزائر فقد أشار قانون المالية التكميلي لسنة 2020 إلى ما يسمى مستشار الاستثمار التساهمي المكلف بخلق وإدارة منصات الاستشارة في ميدان الاستثمار التساهمي واستثمار أموال الجمهور على الإنترنت في مشاريع استثمارية تساهمية، وهو ما قد يفتح المجال للاهتمام أكثر بالتمويل الجماعي في الجزائر.

وفي الأخير، وفي ضوء ما سبق، فإن الجزائر كغيرها من باقي الدول العربية مدعوة إلى بذل المزيد من الخطوات الهامة نحو توسيع وتطبيق تلك البدائل غير التقليدية في مجال تمويل التنمية التي تم استعراضها ضمن تقرير التنمية العربية لسنة 2021، وذلك بالتأكيد ضمن رؤية واضحة المعالم توفر المتطلبات الأساسية نحو تفعيل تلك البدائل على مستوى الاقتصاد الجزائري.

الدكتور عمران عبد الحكيم/ كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا