الشريك الأجرب

0
215

تعج وسائل الإعلام على طول الساحة الأوروبية هذه الأيام بالتفاصيل الأولية للفضيحة المدوية المتعلقة بالرشوة التي هزت أركان أكبر مؤسسة تشريعية في العالم تمثل 27 دولة والتي بطلها المغرب.

وبالفعل، لقد تم إلقاء القبض علي نائبة رئيس البرلمان الإشتراكية اليونانية إيفا كيلي Éva Kaili وصديقها الايطالي فرانسيسكو جورجي Francesco Giorgi،

وصادرت الشرطة البلجيكية في سكنهما مبلغا ماليا هاما كان بحوزتهما كما اُلقيٓ القبض على النائب السابق الإشتراكي الايطالي آنطونيو بانزيري Antonio Panzeri الذي يعتبر الشخصية الأبرز التي فتحت الباب واسعا، منذ سنوات، أمام عملية تجنيد ضخمة للبرلمانيين من طرف المخابرات المغربية.

تمت خلال مداهمات الشرطة أثناء عمليات الاعتقال مصادرة ما يناهز مليون ونصف من العملة الأوروبية مكدسة في حقائب.

تحرك القضاء البلجيكي أتى بعد أشهر من متابعات وتحقيقات شاركت فيها أجهزة عدة بلدان, والتي خلُصٓت إلى التوصل إلى أن الهيئة التشريعية الأوروبية تم إختراقها من لدن مصالح أجنبية, وباتت قراراتها رهينة لتأثير الرشوة وشراء الذمم.

والحقيقة تكمن في أن الدولة الخليجية طلبت مساعدة المغرب الذي يمتلك لوبيا قويا متغلغلا داخل مختلف مؤسسات الإتحاد الأوروبي وأجهزته وهو الذي ساعد على حصول قطر على تراجع البرلمان الأوروبي عن إدانتها في ما يتعلق بإنتهاكات حقوق الإنسان و خاصة بالنسبة للعمال الأجانب, بالإضافة إلى التمتع بإمتيازات لمواطنيها في موضوع الإعفاء من التأشيرة و حصول خطوط جوية علي حرية برمجة رحلاتها علي طول الساحة الأوروبية في مقابل معاملة شركات الطيران الأوروبية بالمثل.

سعى المغرب منذ عقود إلى الحصول على تأييد المجتمع الدولي في حرب الصحراء الغربية. ونتيجة لإفتقاده للحق في مطالبه الترابية على الإقليم الذي يوجد علي طاولة الأمم المتحدة و جميع المنظمات الإقليمية منذ 1963، باعتباره مسألة تصفية إستعمار، لم يبق أمامه إلا شراء الأصوات والأقلام ، بكل الطرق والوسائل، وبكل ما أوتي من قوة وهذا على مدار ما يقارب الآن خمسة عقود.

إنتزعت مراكش و مدن مغربية، إنطلاقا من هذه الإستراتيجية، الوجهة الأولى للسياحة الجنسية من مختلف الأصناف قبل بانكوك والمنتجعات المحروسة في آسيا وغيرها من الأماكن.

منذ حقبة ثمانينيات القرن الماضي, وضع الحسن الثاني قصوره و خدماته تحت إشراف المشاهير والقادة في مقابل شيء واحد، يتمثل في غض النظر عن حرب الإبادة ضد الشعب الصحراوي و تلميع صورة حكمه الدموي و تأييده في محاولة تشريع إحتلاله.

هكذا ذاع صيت مملكة العلويين. واختار كتاب كثر ومشاهير وسياسيين، من الذين تجلبهم حركات وحلقات جامع الفناء وألوانه وروائحه وأضوائه الليلة التي تجلب جمهورا من مختلف الأعمار والأجناس من عشاق الهوى، إختاروا الإقامة بمراكش والصويرة وطنجة وتيطوان وغيرها من البلدات والمداشير المغربية التي ما زالت غالبية سكانها تعيش في القرون الوسطي و التي يجدون فيها فرصة التفرد باستغلال بني البشر بعيدا عن كاميرات الإعلام.

مع استمرار حرب الصحراء الغربية و شراستها و الدمار الإقتصادي والإجتماعي الذي خلفته على الأوضاع العامة في المغرب، السالبة للكرامة الإنسانية، بالإضافة إلى الهزائم العسكرية المتلاحقة لجيشه المتخندق وراء الأحزمة الدفاعية والعزلة الدبلوماسية المتصاعدة، فرض على المغرب اعتماد الرشوة كوسيلة لبلوغ أهدافه وشراء الذمم في كل المواقع, إذ يتم الإستمرار في جلب الأشخاص المؤثرين ضمن زيارات مبرمجة و “مؤطرة بالمفهوم المغربي”، وعمد القصر المغربي إلى نشر أجهزته في الخارج بكثافة بهدف تشكيل اللوبيات في الدول مباشرة للتأثير علي الحكومات والبرلمانات و الصحافة في عين المكان.

ظهرت هكذا إلى الوجود عشرات اللوبيات في مختلف القارات والعواصم, تديرها وتمولها السفارات المغربية من خلال ضباط لادجيد ومتعاونين محليين تحت أسماء مختلفة تقوم بتنظيم ندوات و لقاءات في العديد من البلدان وتؤطر زيارات للمغرب والأراضى الصحراوية المحتلة مقابل المال.

وكثف المحتل المغربي من تنظيم المؤتمرات والملتقيات والندوات المختلفة لإستغلالها بطريقة بشعة في إطار سياسة المغالطات في ما يتعلق بالنزاع الصحراوي المغربي وإصدار تصريحات مغشوشة أو مسروقة من الكثير من الوفود الأجنبية والزوار.

تميز حكم محمد السادس، كما يذكر الكتاب الفرنسيون، بعقلية جمع الثروة وبالإعتقاد أنه يمكن شراء كل شيء بالمال, وأعطيت التعليمات والأوامر في هذا الإتجاه بهدف ربح الحرب مع تقديم الخدمات السياسية و غيرها للحكومات الأجنبية.

مع تولي محمد السادس،، أصبح إستعمال القصر والأجهزة الأمنية المغربية لعائدات المخدرات، التي تتجاوز 24 مليار دولار, حسب تقرير كتابة الدولة الأمريكية لسنة 2016 ووفقا لمصادر أخرى مثل الأجهزة الرسمية المختصة التابعة للأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، فإن هذه العائدات تفوق ذلك بكثير وهذا الأمر معروف لدى الكثير من أجهزة المخابرات الغربية بالخصوص.

منذ سبعينيات القرن الماضي تتسرب من حين لآخر فضيحة من فضائح الرشوة من تدبير المغرب إلا أن اللوبيات والدوائر السياسية العليا في عدة بلدان وخاصة في فرنسا وإسبانيا كانت دائما تقوم بالتستر على ذلك واخفائه, وقد حصل أن تدخلت تلك الحكومات لمنع الصحافة من نشر تحقيقات حول الموضوع و تكفل القصر المغربي بالزج بالصحفيين المغاربة الذين يتجرأون إلى التطرق إليه في السجون, الشيء الذي دفع العديد منهم إلي اختيار المنفى.

يطرح الملاحظون وعديد الأوساط السياسية الأوروبية، بمن فيهم الكثير من البرلمانيين أنفسهم، سؤالا حول مصير القرارات التي سيتخذها البرلمان وهيئات الإتحاد الأوروبي لمواجهة ألأزمة السياسية والأخلاقية التي عصفت بمصداقية المؤسسات الأوروبية والتي تمخضت عن تصرفات الشريك المغربي الإجرامية.

نتيجة للتواطؤ المفضوح، وخاصة من طرف فرنسا وإسبانيا، مع الحرب العدوانية ضد الجمهورية الصحراوية، والذي وصل إلي حد الدوس علي كل القواعد القانونية والمبادئ السامية المشتركة التي قام الاتحاد على أساسها يوجد الاتحاد الأوروبي في ورطة غير مسبوقة.

ولا شك أن عرقلة تطبيق قرارات محكمة العدل الأوروبية تجسد درجة التهور وفقدان المصداقية التي يعاني منها الإتحاد تحت تأثير اظرفة اللوبي المغربي.

إن الأزمة السياسية الحالية التي فجرتها فضيحة ” المغرب غيت” تلقي بظلالها خاصة على الظروف التي تم فيها التوقيع علي الإتفاقيات حول الصيد والمنتوجات الفلاحية والشراكة مع المملكة المغربية ومنحها صفة الشريك المتقدم في وقت لا تربطها أية قواسم مشتركة مع الاتحاد الأوروبي و لا تشاطرها القيم والمبادئ التي قام الاتحاد الأوروبي على أساسها.

 

تواطؤ قادة أوروبيين معروفين تحت تأثير الرشوة وسياسة شراء الذمم أوصلوا بعض مراكز القرار في مؤسسات الاتحاد و حكومات بعض الدول إلى حد السكوت عن انغماس المخابرات المغربية في العمل الإرهابي في غرب إفريقيا وعلى الساحة الأوروبية والتنازل أمام سياسة المغرب القائمة علي الابتزاز والضغط المستمر بملفي الهجرة السرية والمخدرات.

تجدر الإشارة إلى أن سياسة شراء الذمم و الرشوة كاستراتيجية مغربية على المستوي العالمي, وفي بروكسيل, خاصة لم تجد مناهضة قوية محسوسة نتيجة للتواطؤ الذي سبق ذكره، فكيف تحركت المخابرات المغربية لتعصف اليوم هكذا بمصداقية و سمعة البرلمان الأوروبي الذي يمثل غالبية شعوب أوروبا والمدافع، حسب ما هو معلن، عن الديمقراطية وحقوق الإنسان و والشرعية الدولية ؟

بدأت المخابرات المغربية منذ 1975 بالسيطرة على نشاط السفارات والبعثات في العواصم الكبيرة و عملت على تكوين لوبيات عبر تجنيد شخصيات مؤثرة علي مستويات مختلفة يوكل لها الدفاع عن العدوان المغربي على الشعب الصحراوي.

واشتهر من ضباط لادجيد العقيد عبد الرحيم عثمون، السفير المغربي الحالي في بولندا، الذي تمكن من إعطاء دفع قوي للوبي المغربي في بروكسيل بعد تجنيده لعدد من البرلمانيين ومنهم على الخصوص الايطالي آنطونيو بانزيرى الذي أصبح هو الوكيل الرسمي للمخابرات المغربية والفرنسي جيل بارنيو وكلاهما من المجموعة الاشتراكية.

عبد الرحيم عثمون من أقدم وأشهر ضباط مديرية المخابرات الخارجية المغربية المعروفة بمديرية الوثائق والمستندات, وإختصارا بـ “لادجيد “( La DGED ) والتي يسيرها محمد ياسين المنصوري، صديق محمد السادس، وأول مدير مدني لهذا الجهاز بعد ان كان مديرا لوكالة الأنباء الرسمية التي تعتبر هي الأخرى من الوكالات التابعة لـ” لادجيد”.

تولى عبد الرحيم عثمون عدة مهام أمنية تحت غطاء التجارة في فرنسا لمراقبة المعارضين المغاربة ولتنظيم الخلايا الأمنية لمتابعة السياسة الفرنسية بما له علاقة بالمغرب، ليستدعى بعد ذلك للقيام بمهمة ربط الإتصال بالبرلمانين الأوروبي والفرنسي وذلك تطلب انضمامه أولا إلى الحزب الدستوري برئاسة الوزير الأول المعطي بوعبيد ليلتحق بعده بحزب التنمية والمعاصرة الذي انشأه صديق محمد السادس ومستشاره الأقرب، فؤاد عالي الهمة، وبتلك الصفة الحزبية تقلد مناصب برلمانية سمحت له بالتغلغل داخل برلمانات في أمريكا الوسطى والجنوبية ومكنته من قيادة المجموعات البرلمانية المشتركة نيابة عن المغرب مع عدة برلمانات قارية وجهوية منها مجموعات الصداقة واللجان البرلمانية المشتركة.

 

العقيد عبد الرحيم عثمون هو الذي تولى تنظيم الرحلات والزيارات لعدد هام من البرلمانيين من أوروبا و أمريكا اللاتينية وهو الذي انشأ اللوبي بالبرلمان الأوروبي الذي تزعمه البرلماني الايطالي الأسبق انطونيو بانزيري سنوات طوال قبل أن يواصل المهمة من خلال إنشاء منظمة غير حكومية تحت إسم جديد وبتمويل مغربي وهذا تحت إشراف العقيد عبد الرحيم عثمون الذي ينسق عمل اللوبي من سفارته في العاصمة البولندية.

وفي الأخير، هل سترفع المؤسسات السياسية الأوروبية التحدي من خلال اجتثاث بؤرة الفساد والرشوة التي لطخت اسم اكبر مؤسسة تشريعية علي المستوي العالمي والمحمية من لدن جهات أوروبية نافذة أم أن المحتل المغربي سيحظي مرة أخرى بالتواطؤ المعهود ضد كل المصالح الحيوية الإتحاد الأوروبي و منها سمعته ومصداقيته؟

لقد أضحى المغرب ذلك الشريك الأجرب, الذي يحوز على وضع متقدم لدى الإتحاد الأوروبي, رمزا للعدوان ولإنتهاك أبسط المبادئ الإنسانية السامية و المثال الحي للفساد بكل تجلياته.

بقلم الكاتب: امحمد البخاري

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا