الشراكة بين النظرية والواقع Partenariat entre Théorie et Réalité

0
200

من المفاهيم المتداولة كثيرا على الساحة الاعلامية بالخصوص مفهوم الشراكة الذي لقى رواجا استثنائيا نظرا لاستغلالاته المتنوعة سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا.

ما سر نجاح فكرة الشراكة ؟ ماهي أصولها النظرية وفروعها التطبيقية والعملية؟ سنحاول الاجابة على الاسئلة سالفة الذكر مع التركيز على الشراكة القتصادية.

الأصل الفكري للشراكة يكمن في المساواة وترجمتها الأولى تجسدت في الميدان الاقتصادي وبالتحديد العلاقات بين التجار (الشركاء) التي تقوم على المساواة وعدم التبعية؛ فكل تاجر قائم بذات مستقلة عن غيره وهو المعيار القانوني الأهم في تعريف التاجر الذي هو في الأصل شريك في علاقة مع باقي الشركاء.

انتشرت فكرة الشراكة ضمن فضائها القضائي الأول ألا وهو القانون الخاص حيث أصبحت عماد تنظيم التعاون بين الجمعيات في إطار وطني وكذلك مع المستوى الدولي:

الشراكة الاجتماعية (جمعية المجتمع المدني) بين دول الشمال والجنوب كما اكتسبت رواحا كبيرا في الميدان الاقتصادي حيث تعتمد المؤسسات الاقتصادية على الشراكة فيما بينها كتحقيق هدف مشترك لا يمكن ان يتحقق اعتمادا على امكانات كل مؤسسة اقتصادية على حدة.

وفي مرحلة متأخرة، اكتسحت فكرة الشراكة فضاء الموقف العام مع انفتاح هذا الأخير على محيطه الاقتصادي وبالتالي فرضت الشراكة نفسها كأداة مثلى لتنظيم تسيير المرافق العامة من قبل القطاع الخاص الذي اشتهر ب «الشراكة بين القطاع العام والخاص» (Partenariat Public-Privé) (PPP).

ولعل النجاح الأكبر للشراكة يكمن في العلاقات البديلة. فمع سقوط الحواجز السياسية والإيدولوجية (الحرب الباردة)، ارتفع منسوب الحاجة الى التعاون الدولي وفق منظور جديد عمادة التشابك (الشبكات الدولية) وتراكم التدفقات السلعية والخدمية والاعلامية، فكانت الشراكة الاداة التنظيمية المثلى (نظريا) لتأطير هذا الزخم في العلاقات الدولية.

والسؤال المطروح هو مدى نجاح او ملائمة فكرة الشراكة في ميدان العلاقات الدولية؟

اذا كانت الشراكة قائمة على المساواة السيادية بكل ماتعنيه من المعاملة بالمثل وتحمل جزء من المسؤولية المشتركة الهادفة الى بلوغ الهدف المنشود جماعيا، فهي لا تصلح الا لتنظيم شبكات التعاون بين الدول غير المتفاوتة من حيث التنمية الاقتصادية. اما في ظل التفاوت كما هو حال الشراكة المتوسطية فلا يمكن اعتماد الشراكة (المساواة)، لان المساواة النظرية لا تلغي التفاوت الفعلي وبالتالي لا تحقق الهدف المتمثل في اللحاق بركب الدول المتطورة (الشمال)، بل هي مجرد آداة لادماج الدول (كالجزائر) ضمن منظومة العولمة.

فعيب الشراكة في هذا المجال هو اعتمادها على مفهوم نظري والمساواة السيادية التي هي عبارة عن خيال قانوني لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع الفعلي القائم على التفاوت في مستويات التنمية.

فالشراكة في نهاية الأمر هي مجرد آداة في يد مخابر العولمة.

 

بقلم الدكتور: كمال موهوبي

أستاذ محاضر بكلية الحقوق.

جامعة الجزائر -1-.    

 

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا